Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

مـؤسسة إمـارة الـمؤمنـين في عـمقـها التاريـخي الـمغـربي ،و تجـلـياتها الـداخـلـية و الخـارجـيـة

مـؤسسة إمـارة الـمؤمنـين

مـؤسسة إمـارة الـمؤمنـين

*الـدكـتـور حـمـيـد لـحـمـر

لـقــد أجـمعـت المصادر الشرعـية ، الأصـول و الفـروع ، و أكـدت المراجـع التاريخـية ، أن مـؤسسـة  إمـارة المؤمنيـن إرث ديـني حـضاري اخـتـص به المسلمـون ، كـما أنـها إحـدى الـدعـائـم الأساسيـة التـي تـقـوم عـليـها الـدولـة المغـربيـة الأصـيـلـة ، و تستـمـد مـشروعـيتـها مـن اخـتـيارات الأمـة التـي ارتـضـت الإسـلام ديـنا للـدولـة منـذ نشـوئها .

وفـي ظـل هـذه الـمـؤسـسـة الشـرعـيـة ، عـاش المـغـرب المسلـم مـنـذ الـقـرن الثـاني الهـجـري، مـن دولـة الأدارسـة التـي تـعـتـبـر أول دولـة إسـلاميـة متكاملـة الأركـان تـأسسـت بأقـصـى غـرب شـمـال إفـريـقـيا ، إلـى دولـة الـعـلـوييـن الشـريـفـة ، فـي أمـن و أمـان ، و سلـم و سـلام  ، محـفـوظـا في ديـنـه وعـقـيـدته و شريعـتـه و أخـلاقـه ، مـحروسـا و مصـونا في أنفـسـه و أعـراضه و أمـوالـه و حـضارته ،و بهـذا استـقـام أمـره ، و امـتـدت عـلاقـاتـه و ارتـبـاطـاتـه و نـفـوذه في ظـل هـذه الـمؤسسـة الـديـنـية الجـامعـة المـوحـدة حـتى مـع موالـيه مـن البـلـدان  الإفـريـقـيـة المـجـاورة .

كـما شـكلـت هـذه المـؤسسـة الـمقـدسـة – إمارة المؤمنيـن – صمـام أمـان للمجـتمع المـغـربي ، باعـتـبارهـا مـؤسسـة محـايـدة ، غـيـر متحـزبة و لا متحـيـزة ، وبـقـي المـغـرب البـلـد الـوحـيـد المحـافـظ عـليـها، و على رسـومها و تـرتيـبـاتـها المـعـتـمـدة ، و معـالمـها التـاريخـية إلـى اليـوم ،.و هـي مـؤسسـة تـقـوم بالأسـاس  عـلى نـظـام  البيـعـة الشـرعـية .

وتـؤكـد المـصادر التاريخـيـة ، أن البيـعـة في الـمغـرب ، تتـخـذ الخـلافـة الإسـلامـيـة مـرجعـية شـرعـيـة لـها باعـتـبارهـا الإطـار التـنـظـيمي للحـكم ، و تـوثـق جـمـيـع رسـوم الـبـيـعـات الـمغـربيـة ، إلـى أهـمـيـة هـذه المـنـظـومة فـي تـدبـيـر شـؤون الأمـة .

و قـد انـتـقـل مـفـهـوم لـقـب : “أمـير الـمـؤمنـين ”  إلـى المملكة المغـربية ، بـعـد أن تمكـن مـن تحـقـيـق استـقـلالـه عـن الخـلافـة المشرقـيـة في عـهـد الـدولـة الإدريـسـية الحسنـيـة  ، ليصبح مع الـدولة العـلـوية الشـريـفـة ، شـيـئا مـؤكـدا في الخـطابـات و الـوثائـق الرسمـية ، بـل تم تـقـعـيـد هـذه المؤسسة في صلـب الـوثـيـقـة الـدستـورية المـغـربيـة في  الفـصل التاسع عـشر “19” منـذ عـام 1962م ، و ذلـكم لأن الممـلـكـة المغـربية ، هـي الـبلـد الإفـريـقـي الـوحـيـد الـذي لـم يـقـطع صلـته بماضيـه وقـت دخـوله المرحـلة الدستـورية  ، و بـقي مشـدود الارتـبـاط بأصـولـه ، كـما بـقـي محـتـفـظـا  بمـضامين  مـؤسـسة إمارة الـمؤمنـيـن فـي كـل الـتعـديـلات الـتي أدخـلـت على الـدستـور خـلال  الأعــوام : 1970 و 1972 و  1992 و 1996، و تـرسخـت أكـثـر في ظـل الـدولة المغـربية الحـديـثة  التـي نـص دستـورهـا الجـديـد عـام 2011 م فـي الفـصل الـحـادي و الأربعـين “41” عـلى أن : ” الملـك ، أمـيـر المؤمنين، و حـامي حـمى المـلة و الـديـن ، و الضامـن لحـريـة مـمارسة الشـؤون الـديــنـية ” .

وإن جـلالـة المـلك محـمد السادس كأميـر للمـؤمـنين ، يعـتبـر البـيعـة رابـطـا مقـدسا يـطـوق عـنـقـه رغـم عـدم التنصيص عـلـيها فـي أي نـص مـن نصوص الـدستـور ، إلا أنها ظـلت ركـنا أساسيا لإكـمال شرعـية متـولي إمـارة المـؤمنيـن المنصوص عـليها ، ولم يثـبـت في الـتاريخ الـمغـربي أن غـابـت البـيعـة عـن عـمـلية انـتـقـال الحـكم ، و لا يـقـف مبـدأ البـيعـة في المملـكـة المغـربيـة عـنـد حـدود مظـهـره الشـعـائـري، بـل تـوثـق فـي عـقـد مـكـتـوب ، يشـهـد فـيه عـدول الأمـة و قـضـاتها على المبايـعـين بالسمع والطـاعـة للمبايـع ، أو يكـتـب المبايـعـون بيعـتهم بأنـفـسـهم و يـذيـلـونـها بإمضـاءاتـهم .

ويعـتبـر دسـتـور 2011 – وهـو آخـر تعـديـل – أن مـؤسسة إمـارة المؤمـنيـن ، هـي الإطـار الـدستـوري ، و الأسـاس الشرعـي لـدولة الخـلافـة بالمملـكة المغـربية ، و الـتي يـقـوم فـيـها الحـكم على عـقـد البـيعـة الشرعـية ، اقــتـداء بسـنة أصـحـاب رسـول الله صلى الله عليه و سلم في سقـيـفـة بني سـاعـدة حـيـنما بـايـعـوا الخـليـفـة أبا بكـر الصـديـق رضي الله عـنه ، و هـو السـلك الـذي نهـجـه المـغـفـور له جـلالـة الملـك الحـسن الثـاني على غـرار أسـلافـه الميـاميـن . لـذلـك شكـل نـظـام البـيعـة إحـدى الـقـواعـد الأساسيـة الـتي استـمـدت منهـا إمـارة المؤمنيـن مشروعـيـتها

و هـذا يـؤكـده خـطـاب ذكـرى ثـورة المـلك و الشعـب لعـام 1999م حـيـث قـال جـلالـة المـلك محمد السـادس –نصـره الله –   :” …. و عـلى الـنهـج الحـسني سائـريـن ، تمسكـا ببـيعـة الإمـامـة الشرعـية ، الـتي تـطـوق عـنقـنا و عـنقـك ، مـوصولة على امـتـداد أزيـد من اثـني عـشـر قـرنـا،  موثـقـة السنـد بكـتاب الله و سـنة رسولـه الكريـم ، مشـدودة العـرى إلـى الـدستـور المغـربي ، الـذي ينـص على أن المـلك أمـيـر المؤمنيـن ، و الممثـل الأسمى للأمـة ، و رمـز وحـدتـها ، و ضامـن دوام الـدولـة و استمرارهـا ”

و مـن خـلال هــذا ، يـتـضح أن المملـكـة المغـربيـة تحـتـفـظ بنـظـام خـاص أصـيـل  لبـيعـة ملـوكـهـا المـيامـين  ، يمـتـاز بطـابعـه المـغـربي المستـقـل ، وفـق منـهـج و أسـلـوب متـميـز فـي طـقـوس الـتـنصيـب ، و أهـم أوجـه هـذا التميـز، هـو اعـتمـاده تقـنية العـقـد المكـتـوب – كما سلـف- ، حـيـث يـتم  تـدويـن عـقـد البيـعـة على طـريـقـة تحـريـر العـقـود، بأسلـوب أدبـي ، يتضمن قـواعـد البـيـعـة و أركـانـها و الـتزامـات كـل مـن الرعـية و الملـك ، و تـذيـل بتـوقـيـعـات  لمخـتـلـف الطـبـقـات و الفـئـات ، و الإشـهـاد على ذلك و الإقـرار بـه .

و تأكـيـدا لهـذه الميـزة ، يـقـول جـلالـة المـلك الراحـل الحـسن الثانـي في هـذا الصـدد :” إن المغـرب هـو الـدولـة الـوحـيـدة الـتي لم تكـتـف بالبيعـة الشفـويـة ، بـل ما ثبـت في تـاريـخ المغـرب ، و فـي أيـة دولـة مـغـربية أن وقـعـت بـيـعـة شـفـويـة ، بـل كـانت دائـما بـيـعـة مـكـتـوبة ” .

و البيـعـة المكـتـوبـة الـتي تميـز بـها النـظـام المغـربي ، سـهـلـت و يـسـرت تـواصـل الجـهـات البـعـيـدة فـي تـقـديـم وإيـصـال نـص خـطـاب بيـعـاتهـا إلـى مـؤسسـة إمـارة المـؤمنيـن  .

و إن الأرشـيـف الـتاريخـي الـمغـربي ، و المـصـادر التـاريـخـيـة الإفـريـقـيـة المـغـربيـة القـديـمة ، لمليئـة بـنـماذج رسـوم البيـعـات لسـلاطـين الـدولـة الـمغـربيـة عـبـر تاريـخـها الطـويـل ، حـتـى أن نـصوص هـذه البـيـعـات المـتـعـددة المـتـنوعـة، والمـمـتـدة المـسـافـات نـحـو مخـتـلـف الجـهـات الأفـريـقـيـة ، لتعـتـبـر وثـائـق تـاريخـيـة ذات قـيـمـة عـالـيـة،  تـوثـق وتـؤصـل وتــؤرخ :

إن الـدولـة المـغـربيـة الأصـيـلة ، ومن خـلال عـمقـها التـاريـخي ، كـدولـة متجـذرة فـي إفـريـقـيا ، لـها تـراكم قـوي في التـدبيـر الـدبـلـوماسي إلـى جـانب الإشـعـاع الثـقـافـي و الـديـنـي والـروحـي مـمتـد عـبـر التـاريخ ، مع أغـلب المماليـك الإفـريقـيـة القـديمـة ، ومجـموع بـلـدان إفـريـقـيا الـيـوم، تـعـكـسـه  مجـموعـة مـن الظـواهـر الاجـتـماعـيـة ، و الروابـط الـشـعائـريـة الـروحـيـة الأصـيلـة الكثـيرة و لـعـل مـن أبـرزهـا :  الـحـرص الشـديـد لمـشايـخ ومـريـدي الـطـرق الصـوفـية الإفـريـقـيـة زيـارة الـعـاصـمة العـلـمـيـة و الروحـيـة فــاس ، كـما سـاهـم هـذا الـرابـط الـروحـي – بشكل قـوي –  أن  جـعـل الحـضـور  المغـربـي في بـلـدان إفـريـقـيـا ظـاهـرا بـارزا مـتمـيـزا، و فـعـالا متـفـاعـلا ، كـما عـمـل عـلى تـرسـيخ الـنمـوذج المغـربـي بتـوابـثه الـديـنـيـة الأسـاسـيـة الثـلاثـة : العـقـيـدة الأشـعـريـة ، و المـذهـب الفـقـهـي المالكي ، و التصـوف السني .

هـذه الـثـلاثـيـة الـتـي تـربـط المملكـة الـمغـربية  بإفـريـقـيا بـربـاط وثـيـق ، تـرعـاهـا مــؤسـسـة إمـارة الـمؤمنـين القـائـمـة عـلى البيـعـة الـشـرعــيـة .

و إن نمـوذج : مـؤسسـة “إمـارة المؤمنيـن” فـي العـنايـة و التـدبـيـر للـشأن الـديـني ، لا يـتـوقـف على الـرعـايـة والصـيـانـة والحـفـاظ على مصالح المؤمنيـن المسلمـيـن فحـسـب ، بـل يـقـدم أيـضا أنمـوذجـا إنسانـيا كـونـيـا ، مـن الإلـتـزام بـقـيـم التـسامح و التعـايـش و التساكـن مع الآخـر مـن أتـباع الـديـانـات الأخـرى مـن أبـناء رعـيـة أمـيـر المـؤمـنيـن  الـمـغـاربـة ، وعـلى الخـصـوص الطـائـفـة الـيهـوديـة ذات الـعـدد الكـثـيـر، والـوجـود العـريـق في المغـرب . فتحـكي الـوثـائـق المـغـربيـة أن هـذه المبـادئ بـقـيـت مـرعـيـة  ، و قـد تـجـسـدت  فـي أغـلب خـطـب جـلالـة الملك محـمد الخـامس التي كـانت تـوجـه للـيهـود المغـاربة فـي مناسـبات عـدة منها – على سبيـل المثال – خـطـبـة عـيـد العـرش لسنة 1943م عـنـد تـقـديـم بـيعـتهـم له ، حـيـث قـال : ” إنـكم كسائـر المواطـنين المسلميـن ، رعـايـانـا فـي هـذا الـبـلـد الأمـيـن ، لـذا أوجـبـت عـلـيـنا مـواطـنـتـكـم هـذه مـحـبة بـالـغـة ، و قـيـدتـنا بـأمـانة السـهـر على أمـنـكم لتـزدادوا احـتراما و تـوقـيـرا لكم عـنـد المسلمـيـن أخـوة و صـداقـة ، تـواصـلت على مـدى الـزمـان …”

فبـناء على ما تـأكـد مـما تـقـرر، مـن أن صلاحـيـات أمـيـر المؤمـنـيـن أن يحـفـظ لـرعـيـته –عـمومـا-  ديـنها ، فـإن ذلـك يـراعـي عـدم الـتميـيـز في هـذا الحـق بين المسلميـن و غـيـر المسلميـن ، لثـبـوته لكـل منهما ، بـل إن مـن مهـامـه المشروعـة أن يضمن لهـم حـق التمسك بـديـنهم ، و صيـانة معـابـدهـم ، و اعـترافـا بـقـيـم التساكـن و التعـايـش و القـواسم الإنسـانيـة المشتركة ، في إطـار رؤيـة إسلامـيـة ، تحـتـرم حـق الآخـر في الـرأي و المعـتـقـد و الفـكـر ، مـن غـيـر إخـلال بمـقـومـات التساكـن و التعـايـش ، و لـم يـحـدث أن حـصل مـيـز أو تـفـرقـة قـط بيـن المغـاربـة ، المسلمـيـن والـيـهـود ، و لـن يـحـدث أبـدا ، فالـيـهـود المـغـاربـة هـم مـواطـنـون بـقـوة القـانـون مـثـل مـواطـنيـهم المسلمـيـن ، و هـو الـذي يـؤكـده الـدستـور المـغـربي في تصـديـره الـذي جـاء فـيـه أن :

” الـمملـكة المغـربـية دولـة إسـلامـية ذات سـيادة كامــلة متشـبـثة بـوحـدتـها الـوطـنـية و الترابـية ، و بصيانة تـلاحـم و تـنـوع مـقـومـات هـويـتها الـوطـنـية الموحـدة بانـصهـار كـل مكـونـاتـها : العـربـية الإسلامـية ،و الأمـازيغـيـة ،و الصحـراوية الحـسانـية ، و الغـنـيـة بـروافـدهـا الإفـريـقـيـة و الأنـدلسـية ، و العـبـريـة و الـمـتوسـطـيـة ، كـما أن الهـويـة المغـربيـة تـتمـيـز بتبـوئ الـديـن الإسـلامي مـكانة الصـدارة فـيها ، و ذلـك في ظـل تشبـت الشعـب المغـربي بـقـيـم الانـفـتاح و الاعـتـدال و التسامح و الحـوار ، و الــتـفاهـم المـتـبـادل بيـن الـثـقـافـات و الحـضـارات الإنـسـانيـة جـمـعـاء ”

وهـو انـفـتاح و تـسـامح يـتـجـاوز حـدود الـبـلـد الأصـلي ، و يستـمـد مـرجـعـيـته مـن دسـتـور مـؤسسـة إمـارة المـؤمنـيـن ، المنبـثـقـة عـن رابـطـة البيـعـة الشرعـية بيـن الـراعـي و الرعـيـة ، و يــؤكـده الفـصـل 16 مـن الـدسـتـور، الـذي ينـص علـى أن :

و يـؤكـد الفـصـل 17 بأنـه :

و بموجـب هـذا الـحـق الـذي يضمنه الـدستـور المغـربي لـكـل الـمـغاربة ، المقـيـمين بالـداخـل و بالخـارج ، و تسـهـر على رعايـته و حـمـايـتـه مـؤسسة إمـارة المؤمـنـيـن ، يمكـن لكـل مـواطـن مـغـربي كـيفـما كـانت ديـانـته الأصليـة ، أو عـرقـه ، أو جـنـسـه ، دون تـمـيـيـز ، الاسـتـفـادة مـن حـقـوقـه و مصالحـة المـشـروعـة ، و الـتي منـهـا : الاحـتـفـاظ بهـويـته الـوطـنيـة ’ والـزيـارة و الاسـتزارة مـتى شـاء ، و الإقـامـة ببـلـده الأصـلي – المملكـة الـمغربيـة –  ،  كـمواطـن مـغـربي ، لـه حـقـوق و عـليـه واجـبـات .

Exit mobile version