أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن مكافحة الفساد لا يجب أن تكون موضوع “مزايدات سياسية”، مشدداً على أن الرهان الحقيقي يكمن في بلورة إصلاحات تشريعية ومؤسساتية ذات بعد استراتيجي، بعيداً عن الحسابات الضيقة.
جاء ذلك خلال مداخلة له في لقاء دراسي نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، خُصص لمناقشة مشروع قانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. واعتبر بنعليلو أن هذا المشروع يشكل “آلية مهمة لإنفاذ القواعد الإجرائية المتصلة بمكافحة الفساد”، داعياً إلى أن تُؤسس مضامينه لملاءمة موضوعية مع الإجراءات الكفيلة بعدم الإفلات من العقاب، بدءًا من التبليغ ووصولاً إلى مراحل البحث والتحقيق.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن الأمر “ليس مجرد قضية قانونية بأبعاد تقنية”، بل هو “خطة مهيكلة” لمكافحة الفساد، تتطلب تضافر جهود الحكومة، والبرلمان، والهيئات الدستورية، والمجتمع المدني، من أجل تبني رؤية شاملة ومندمجة.
و تُعد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مؤسسة دستورية مستقلة، أُحدثت بموجب الفصل 36 من دستور 2011، وتُعنى بتعزيز مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، إلى جانب رصد وتقييم سياسات مكافحة الفساد واقتراح التدابير الملائمة. وتستمد الهيئة مرجعيتها من الوثيقة الدستورية التي تنص على تخليق الحياة العامة، كما تستند إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تُعد الإطار القانوني العالمي الوحيد الملزم في هذا المجال.
ومن بين المهام الأساسية للهيئة، هناك تلقي التبليغات عن حالات الرشوة، والتحقيق فيها، وتقديم التوصيات المتعلقة بالإصلاحات، فضلاً عن نشر ثقافة النزاهة والشفافية عبر آليات التوعية والتحسيس.
وفي كلمته، شدد بنعليلو على ضرورة إرساء توازن بين مقتضيات احترام الحقوق الأساسية للأفراد، بما في ذلك قرينة البراءة، وبين مقتضيات الفعالية في تفعيل القانون الزجري. وأبرز أهمية تطوير النصوص القانونية لتواكب المستجدات، مع تمكين أجهزة إنفاذ القانون من الوسائل الكفيلة بفرض احترام القانون.
واعتبر بنعليلو أن مكافحة الفساد تظل رهينة بوجود “إرادة سياسية حقيقية” ومقاربة متكاملة، تستثمر الإصلاحات القانونية ليس فقط لصياغة نصوص جديدة، ولكن لتحريك دينامية مؤسساتية ومجتمعية لمواجهة هذه الظاهرة البنيوية.
و يتضح من مداخلة رئيس الهيئة أن المعركة ضد الفساد لا تقتصر على الجانب القانوني، بل تتطلب رؤية متعددة الأبعاد تشمل السياسة، والتشريع، والمجتمع، والتربية، مشدداً في الوقت ذاته على أن “مكافحة الفساد مسؤولية جماعية، وليست مجالاً للتوظيف السياسوي”.
فهل تنجح التعديلات المقترحة على قانون المسطرة الجنائية في وضع حد للإفلات من العقاب؟ وهل سيتم استثمار هذه الإصلاحات كرافعة حقيقية لتعزيز الشفافية والمساءلة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
مكافحة الفساد أمام محاولات الإصلاح التشريعي
