محمد فارس
يوم الأربعاء (19) ماي (2021) استدعى [نتانياهو] سفراء الدول وعددًا من الصّحفيين ومُمثلي وكالات الأنباء التي تغطّي الحرب العدوانية الإسرائيلية على المدنيين في [غزة] وتحاول تهجيرَ سكّان [الضِّفة] من بيوتهم في (حيّ الشّيخ جراح) لفائدة المستوطنين الصّهاينة، وخلال كلمته التي بَثّتها جلُّ وسائل الإعلام، قال [نتانياهو] إنّه يحبِّذ أسلوبَ [تشرشل] في الحرب، ولا أحدَ انتبه أو علَّق أو فهم مغزى هذه العبارة رغم أنّها تفسّر أسباب وأهداف [نتانياهو] في هذا العدوان الغاشم على [غزّة]، وعلى أطفالها، ونسائها، وشيوخها، وشجرِها وحجرِها؛ فلماذا ذكَّر [نتانياهو] بالصُّهيوني [تشرشَل] وبأسلوبه في الحرب؟ ثم ما هو هذا الأسلوبُ المعتمَد في الحرب؟ ما هي أهدافُه؟ وكيف اعتمدَه [تشرشل] ومتى؟
[تشرشل] الصّهيوني يعيش حتى الآن مغمورًا بالأمجاد، تلاحقه أكاليلُ المديح تَسمعها أينما حللتَ وارتحلتَ يغمره بها الصّهاينةُ والـمُتصهْينون شرقًا وغربًا لارتباطِه بالصّهيونية العالمية.. بعد بداية الحرب العالمية الثانية وبعد انسحاب الإنجليز من [دَانْكيرك]، امتنع الألمانُ عن الإغارة على [إنجلترّا]، والإنجليزُ لا يقومون بأعمال عدوانية ضدّ المدن الألمانية، فسُمّيتْ هذه الفترة بالحرب [السّخيفة]، وسمّاها الفرنسيون [drôle de guerre]؛ عندئذٍ، اشتدّت حملة الدّعاية والتّشهير ضدّ ذلكَ الرّجل المهذّب الذي يذكِّر بالقرن (19) والذي حطّمه سعيُه الصّادقُ من أجل السّلام، وأعني به [نيڤيل تشامبرْلين]، في الوقت الذي كان الصّهيوني [وِنستُون تشرشل] قد تسلّم فيه القيادة العليا للقوات البريطانية، فقام بمغامرة فاشلة في [النّرويج]، أودَت بحياة العديد من الجنود والضّباط الإنجليز، وأعادت إلى الذّاكرة فشل [تشرشل] في [الأنتورب] سنة (1914)، وفشله في احتلال [غاليبّولي] سنة (1915)، ولكنّ مخطَّط [تشرشل] كان هدفُه الإطاحةَ بحكومة [تشابرلين] كما تمت الإطاحةُ بحكومة [أسْكويت] المعادي للصّهيونية، وحلّ مكانه [اللّويد جورج] الصّهيوني سنة (1916)، وهو ما تمّ سنة (1940) حين حلّ [تشرشل] الصّهيوني محلّ [تشابرلين]؛ و[تشرشل] كان وراء إزاحة [أسْكويت] سنة (1916) تمامًا كما خلَف [تشابرلين] سنة (1940)؛ وهكذا تحوَّلت الحربُ (السخيفة) إلى حرب فعلية؛ وفي مساء اليوم الذي صعد فيه [تشرشل] إلى الحكم في (11 مايو 1940)، صدرتِ الأوامرُ إلى الطّائرات البريطانية بالإغارة على المدن الألمانية؛ استشاط [هتلر] غضبًا فأعلن: [الإرهاب لا يُردّ عليه إلاّ بالإرهاب]؛ ففُتِح البابُ أمام الألمان كي يَردّوا بالـمِثل، وكان [تشرشل] من وراء حربٍ تدميرية فِعلية..
قام [تشرشل] بحملة اعتقالات واسعة لجميع الذين كانوا يعارضون قيامَ حرب، وقدِ اعتمد في هذه الاعتقالات على مذكّرة كانت قد صدرت إبّان الحرب الأهلية في [إيرلاندا]، وكانت تقضي باعتقال جميع من يُشتبه بأنّهم ينتمون إلى [حماس]، عفوًا إلى [الجيش الجمهوري الإيرلاندي]؛ وهكذا، تمّ اعتقالُ أعداد كبيرة من الشّخصيات دون محاكمة أو استجواب، ودون أن يتمتّعوا بحقّ الدّفاع عن أنفسهم، وقد صدرت أوامرُ الاعتقال هذه جميعًا عن طريق [هيربِرت موريسون] وزيرِ داخلية [تشرشل]، وهو الذي يعود بعد ذلك للظّهور في [كندا] إبّان حملة التّبرّعات لصالح الصّهيونية سنة (1954)؛ وقد برّر [تشرشل] هذه الاعتقالات بأنّها تهدف إلى الحفاظ على السّلام العام، ولقد أثبتتِ التّحريات التي جرتْ بعد الحرب، أنّ هذه الاعتقالات لم يكُن لها أيُّ مبرّر، وأنّها اعتمدتْ على حجج سخيفة جدّا..
كان من بين المعتقَلين الكابتن [رامْزي]، والأدميرال السِّير [باري دومڤيل] وزوجتاهُما، وأصدقاؤُهما، وقد سُجِنوا جميعًا مع العديد من المواطنين في سجن [بريكستون]، فبقي بعضهم حتى (شتنبر 1944).. كانت قد سبقت عملية الاعتقالات هذه، حملةٌ واسعة قامت بها الصّحافة الصّهيونيةُ لتهيئة الجوّ لِلشّيطان [تشرشل] ليقومَ بخطوته، وقد أوهمتْ هذه الصّحافةُ الجماهيرَ بأنّ لِـ[ألمانيا] طابورًا خامسًا بين صفوف الإنجليز، وأنّ هذا الطّابور يقوم بالإعدادات اللاّزمة لهبوط القوات الألمانية.. ويردُّ على مزاعم رجال حكومة [تشرشل]، ما برْهنَ عليه القضاءُ والتحقيقات، إذ لم تَثبت على أيٍّ من المعتقلين تهمة تعاوُن مع الألمان، وإنّما هي أكاذيب من وحي [تشرشل] والصحافة الصهيونية، وقد حاول هؤلاء تلفيقَ تهمة لزوجة الأميرال [نيكولسون] أحدِ كبار قادة البحرية السّابقين، ولكنّ القضاءَ برّأها، فعمدَت حكومة [تشرشل] إلى اعتقالها دون أية تهمة للانتقام منها على مناداتها قبل الحرب بمنع نشوب هذه الحرب.. هذا هو [تشرشل] الذي يمدحونه، ويعتبرونه رمزًا للدّيمقراطية، محبّا للعدل، فيما هو مجرّد صهيوني، ومجرم حرب لا أقلّ ولا أكثر..
من هو “تشرشل” الذي يقلِّده “نتانياهو” ويُثني عليه؟
