محمد فارس
[حربُ البوسنة والهرسك: 1992]: هي الحرب التي نشبتْ في (البوسنة) و(الهرسَك)، وهي جمهورية مستقلّة استقلالاً ذاتيًا في شمال (يوغسلاڤيا)، وتتألف من إقليم (البوسنة) في الشمال، ومدُنه (سراييڤو) و(بانيالوكا)، و(تَرزيا)، وإقليم (الهرسك) في الجنوب، ومدينتُها (موستار) والعاصمة هي (سراييڤُو)، ويقع معظم هذه الجمهورية في الألب الدّينارية، ولها مَخْرجان ضيقان على البحر الأدرياتي، وأهمّ أنهارها نَهر (السّافا)؛ والسكان فيها من القومية الصّربية، والكَرواتية، ويدينون بالإسلام وهمُ الغالبية، والباقي بين الكاثوليك، والأرْثوذُكْس؛ والصّرب مقيمون في (البوسنة) منذ القرن السابع، وما لبِثَت أن أضحت (البوسنة والهرسك) جمهورية من الجمهوريات الشّعبية بموجب دستور [يوغسلاڤيا] لسنة (1946)..
كيف نشَبتْ هذه الحرب؟ كانت بداية الأزمة مُطالبة (الصّرب والكَروات) النّصارى من المسلمين الجلاء عن الأراضي التي عدّوها ملكًا لهم، ولا يحقّ للمسلمين أن يكونوا فيها؛ وبالطبع، فهذه حُجّة داحِضة، لأنّ المسلمين همْ من يمثّل أكثريةَ السّكان فيها بِمُقابل أربعين بالمائة من (الصّرب والكروات)، وهكذا، بدأت حربٌ يندى لها جبيـنُ التاريخ، ارتُكبت فيها أفظع جرائم الجنس البشري منذ خلق الله عزّ وجلّ الخليقَةَ إلى اليوم، وتستَّرتْ عليها [أوروبّا] الفاجرة، و[أمريكا] الدّاعرة، في رقصات حول ما يُبْهجُهم من هذه الفظائع وبالطبع، فقد خاض المسلمون حربًا بالدّماء والأموال هناك، والعالمُ ينظر ويَسمع، ووسائل الإعلام لا تأتي إلا بالقليل من الأخبار، وقد هاجر مسلمون من شتّى بقاع الدنيا للجهاد ضدّ الصّليبية الجديدة التي لن تُنسى مآثرُها في أثناء حروبِها مع المسلمين، بما لوّثتْ به إنسانيةَ الإنسان من مثالبَ ونقائص..
كان (الصّرب والكروات) من النصارى ضدّ بعْضِهم البعض في المذْهَبية، فالصِّرب يدينون بِمَذهب غيْر مذهب الكروات، ولذلك كان الكروات النّصارى يحالفون المسلمين في ضرب إخوَتِهم الصّرب؛ وهكذا، فهُم مرّةً ثانية يتحالفون ضدّ المسلمين جميعًا، وهذا قد تمَّ بشكل نهائي، وقد برزَ قادةٌ صليبيون هم أشدُّ الناس قسوةً على المسلمين، وقد وصلتِ الحربُ عام (1992) إلى درجة أظهرتْها وسائلُ الإعلام بالصّور والوثائق التي تجد فيها جثثًا وأشلاءَ تمامًا كالمذابح التي يُذبَح فيها الدّجاج، أو المسالِخ التي تُذْبحُ فيها الأغنام، بل هناك انتهاكٌ للأعراض لم يَشهدْ له التاريخُ مثيلا، إذ أنشئت مخيّماتٌ منظّمة لهذا الغرض، لجعْل الفتيات حواملَ من نِطافِ القذارة تلك.. حاول قائدُ المسلمين في هذه المرحلة (عزّتْ بيکُوڤيتش) أن يسْتَصْرِخ هِمَم الحكّام العرب لهذه الغاية، فقابله بعضُهم، ورفض آخرون الالتفات إليه ولو مُجرّد التفاتة، وقد قامت دولُ الخليج بجَمْع تبرُّعات لهذا الغرض، غيْر أنّ المال لم يكُن ليَصِل أوِ السّلاح الذي حظرتْه (أمريكا) في الواقع، حتى إنّ وزير الخارجية الأمريكي في مطالع عام: 1996 يصرّح بأنّ هذه المذابح إنسانية، ولكنّهم لا يمْلكون إلاّ تأييدَها، وهذا ما ورَد على لسان (وارن كريستوفر)، ولكنّ وزير المالية الألماني تبرّأ علانيةً من هذا السّوء الغربي، وقدّمَ استقالتَه احتجاجًا على هذه المذابح؛ لقد خلّفت هذه الحربُ فظائعَ، وأفظعُها مقابرُ وُجِدت فيها آلافُ الجثث في (سِيبْرينْسَا) وَحْدِها..
[ثورة الشّيشان: 1995 ــ 1998]: الشّيشان شعب مسلم، أصلُ موْطنه السفوحُ الشّمالية لوسط جبال القوقاز في جمهورية [روسيا]، ويعدُّ هذا الشعبُ مع الشراكِسَة، والبوشْناق، والكومان من أشرس الـمُقاتلين؛ كان هذا الشعبُ ثائرًا أيام (روسيا) القيْصرية، ويعدّ الشيخ (شامِل) الرّمز الكبير لكفاحٍ دام حِقْبةً طويلة تقربُ من المائة عام؛ وحين جاءت الشّيوعية، حارب (الشّيشان) مُحاربة باسلة، فجعل لهم الشّيوعيون كيانًا، ثم ما لبِثَ أن حَلُّوا هذه الجمهورية بذريعة تعاوُن أهْلِها مع الألمان؛ وبعد الحرب العالمية الثانية، أعيدَ توطينُهم في جهاتٍ أخرى؛ ولـمّا سقط (الاتّحاد السّوڤياتي) برزت أزمةُ الشّياشنة ثانيةً، وأثناء حرب (الشّيشان) برزَ بواسِلُ شُجْعان أمثال [بسايِيڤْ]، و[دودَايِيڤْ] الذي قتِل، فاستطاعت [روسيا] أن تتوغّل في الأراضي الشّيشانية، وارتكبتْ مجازرَ يندى لها الجبين، وهدأتِ المقاومة الشّيشانيةُ إلى أمدٍ والنّارُ ما زالتْ تحت الرّماد؛ وظهر زعماء جدُد، خونة، مثل [قاديروڤ]، فبِمُجرّد أن مات أبوهُ سنة (1999)، استَقبله [بوتين] في اليوم نفسه، وجعله تحت إبْطِه، وهو اليوم، يحارب إلى جانب (الرّوس) ضدّ (أُوكرانيا) وما فائدةُ ذلك لشعبٍ مُضْطهدٍ في [روسيا]؟
مَجازِر (البوسنة والهرسك) و(الشّيشان)
