Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

مَنِ المستفيد من ديمقراطية أحزاب لا ديمقراطية؟

محمد فارس

المساواة الـمُطلقة بين الأفراد في الحقوق والواجبات وفُرص الحياة، هي مثَلُ الديمقراطية الأعلى.. وقد نَجحت الديمقراطية في تحقيق نوع من المساواة السياسية في ظلِّ النظم البرلمانية في بعض الدّول المتقدمة، ولكنّها ما زالت أبعَد من أن تُحقّق المساواة الاقتصادية بين أفراد المجتمع الواحد.. والنّظرية الديمقراطية لنُظم الحكم، مهْما قيلَ في فضائلها ومزاياها، لم تَستطع أن تحلّ جميع المشاكل الاقتصادية التي يواجهها المجتمع، ويمكن من هذه الناحية أن تَقوم الدّولة بالنسبة إلى وظائفها، إمّا على الفِكرة الفردية، وإما على الفكرة الاجتماعية.. والفكرة الفردية أساسُها حرّية الفرد المطلقة، ومضمونُها أنّ مهمّة الحكومة الرئيسية هي حماية الفرد من العنف والغش، وأنّه ليس من واجبها ولا من حقها أن تتدخّل في شؤونه حتى ولو في مصلحته، وأنه ليس للدولة أن تضطلع بعمليات اقتصادية تناهضُ بها النّشاط الفردي، كما أنّه ليس من حقّها أن تفرض قيودًا على نشاط الفرد، إلاّ ما كان يقتضيه الصالحُ العام.. والديمقراطية على ضوء هذه النظرية، تؤثر تحقيق الحُريات الاقتصادية وتَرك النظم تَعْمل في ظلها بحرية تامة، وما دامت حقوقُ الفرد، ومنْها الـمِلكية الشخصية، مكفولة في ظل الديمقراطية، وما دامت الكفاياتُ تطْلق لتعْمل في جوِّ المنافسة الحُرة، فلا معنى لتدخّل الدولة بصورة تقضي على الحرية كما فعلتْ حكومة [العثماني]، وهي تصادق على قانون [الكيف] مثلاً، باعتبار (الكيف) له فوائد، وعلاجات، من أهمّها، إذا ضاقتْ بك الدّنيا، فعلاجُكَ هو تدخين [الشّقُوفَا] مع شاي (برَزْتو)، عندئذٍ تذهب همومُكَ، ومآسينا مع حكومة [البيجيدي] لا تُنْسيها إلاّ (شقُوفَة الكيف).. ويقال إنّ لـ(الكيف) استعمالات طبّية، ورسولُ الله يقول: [ما جعلَ الله دواءَ أُمّتي في ما حُرِّم عليها].. ولكنْ ما العمل، هذه هي [ديمقراطية الكيف] ولله الأمرُ من قَبلُ ومِن بَعْد..

ويدافع أصحاب النظرية الفردية عنها، بأنّه من حقّ الفرد أن يبقى حرّا، وأن ذلك من صالحِه وصالح المجتمع، وأنّه من خصائص التطوّر الإنساني أن يكافح الفردُ من أجل نفسه، وأن ينجح أو يفشل طبقًا لكفاياته، وقد دافع الفلاسفةُ الألمان مثْل [كانط] و[فِخْتَه] عن هذه النظرية دفاعًا حارّا، ومع أنّ هذه النّظرية تبدو خلاّبة بمنطقها، فإنّ لها أوجُه ضُعْف واضحة، فإنّه يقال مثلا إنّه إذا كانت الدولة تتدخّل لحماية أصحاب الـمِلْكية، فإنّها أيضا بهذه الحماية قد تُحْرم الآخرين من الـمِلك، ثمّ إنّه يُطلب منها أن تُقدّم فرص التّربية لسائر الأفراد وغيْر ذلك، ولقد كان الدفاعُ عن هذه النظرية أقوى من النّاحية الاقتصادية، حيث قيلَ إنّها أكْفل بازدهار الصّناعة، والتجارة، والفلاحة، ورفاهة الفرد، هذا فضلاً عمّا قيل من أنّها تستند إلى عوامل بيولوجية في وُجوبِ بقاء الأصلح، على أنّ هذه الحرية الاقتصادية هو أشدّ ما يأخذه خصومُ الدّيمقراطية عليها، فهُم يقولون مثلا إنّ إباحة الـمِلكية الخاصة، وتكدُّسَها في ظلّ الديمقراطية في أيدي جماعة قليلة، هي أعْظم عَقَبة في سبيل تطبيق الديمقراطية الصّحيحة؛ ونحن في [المغرب] تعاني ديمقراطيتُنا من هذه العقبة، بدليل أنّها كدَّست الفلاحة، والغابات، والمياه، والثّروة السّمكية، واستيراد المحروقات في يد جماعة، بل في يد (لوبيّ) جشِع، بل صار هذا (لوبيّ) يتزعّم الأحزاب رغم أنّه يتقن التّسويق والاستيراد، ولا علاقة له بالتّدبير والتسيير..

والواقع أنّ الطبقات العاملة من الرجال والنساء، لا تجد في ظلّ الديمقراطية حسْبما تطبّق اليوم، وسيلةً للتعبير عن رغباتها مهما كانت ضمانات الحرية الانتخابية، فما بالُك بديمقراطية (الكيف) في عهد (البيجيدي)، وسيكون ذلك أجْمل ما يختم به [العثماني] ولايتَه الفاشلة ليدخُل التاريخ من بابه الأوسع.. ولا مريَة في أنّ نفوذ صاحب المال، وانْشغال العامل بتحصيل قوته يَحولان دون تمتُّعه بمثل هذه الحرية، لكنّه في ديمقراطيتنا قد يَغْرق في معمل غيْر مرخّص  في يوم ماطِر، في مدينة تداعتْ بنيتُها التّحتية كما حصل في [طنجة] منذ أقل من شهر، فمات (28) عاملا، وغشّاهم النّسيان، ولم تُسَاءَلْ شركة استعمارية اسْمُها [أمانْديس]، لكن الكلّ مشغول بالانتخابات، رغم داء [كورونا] القاتل؛ هذا قد يُشْبه إلى حدٍّ كبير نظام الاسترقاق القديم، وإنّه لـمِنَ الـمُبالغة، أن يقال إنّه يمكن أن توجد في ظلّ ديمقراطية معاقة مساواة بالمعنى الصّحيح، وإنّ ما تعانيه الطّبقات الفقيرة من شظَفِ العيش، والآلام المعنوية، وفَقْد الشّعُور بالكرامة، ليَجعَلُ من ديمقراطيتنا الصّورية نظامًا عاجزًا عن تحقيق مساواة الفُرص للناس، والرّفاهية للمجتمع، وهو ما سترفعه أحزاب النّفاق والكذب والخداع كشعار في حملتها الانتخابية دون استحياء؛ تلكُم ألفاظ جوفاء ستشنِّف أسماع البُلهاء، وفاقدي الذّاكرة، والمصابين بالإدمان على الثقة بهذه الأحزاب الفاشلة في مجتمع تكدّ فيه أغلبية الشعب للحصول على لقمة العيش، فيما أقلّيةٌ تتمتّع بالغنى الفاحش، وتعيش في رفاهية في ظلّ ديمقراطية زائفة..

 

 

Exit mobile version