Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

مِن مظاهر سياسة اللاّمعقول ببلادنا

محمد فارس
تطرّقنا في مقالة سابقة لمفهومَيِ السياسة واللامعقول، وأوضحنا كيف جازَ لنا أن نربط بين المفهوميْن، فإذا كان ذلك الرّبط غير جائز بالنسبة إلى سياسات بعض البلدان، فإنه جائزٌ ببلادنا وبالأدلّة التي لا يجادل فيها اثنان؛ وخلال هذه المقالة المتواضعة، سنسُوق عدّة أمثلة لمظاهر سياسة اللاّمعقول في هذا البلد، وهذه الأمثلة كثيرةٌ ومثيرةٌ سنورد بعضًا منها لضيق الرقعة حتى يتبيّن للقارئ الكريم أنّ كاتب هذه السطور لم يكُن يرسِل الكلامَ على عواهنه.. سوف نبدأ رحلة اللامعقول من ولاية [بنكيران] صاحب الخَلْفية الإسلامية، الذي لم يَفِ ولو بوعدٍ واحد من الوعود التي وعدَ بها الذين صوّتوا له رغم تشدُّقِه بالدين، وبالدعوةِ إلى الله، وظاهرة [بنكيران] قديمة في التّاريخ، كيف ذلك؟
كان بعض الحكام يرتّلون القرآن بخشوع، ويقبّلونه، ويضعونه على جباهِهم عدّة مرات كل يوم، ولكن لم يمنعْهم ذلك من أن يقضُوا المساءَ بين هزّات البطون، ودقّات الطنبور.. والقرآنُ كتاب ربّانيٌ عظيم، ولكن السّياسيين الـمُخادعين، والـمُتْرفين، يستطيعون أن يُؤَوِّلوه، ويفسّروه كما يشتهون، فيخرجونه من طبيعته الأصيلة، ويجعلونه بضاعةً من بضائع الموتى، فلا يكاد يموت منهم ميّت، حتى يحْشِدوا في سبيله عددًا كبيرًا من “القُرّاء” ليمطروه بوابل من الختمات والرّحمات، إنّه كان مرحومًا.. [بنكيران] من هذا الصِّنف، وقد رأيتموه كيف سالم الفاسدين، وأمّنَ الـمُفسدين بآية: [عفا الله عمّا سلف]، وكأن مالَهُ الشّخصي هو الذي سُرق، فعفا عن اللُّصوص، فيما هؤلاء الفاسدون سرقُوا ثروات أمّة، واختلَسوا أموال شَعْب، فلا يجوز لمسؤول عادِل أن يعفُوَ عنهم ويستعمل آيةً كريمة في غير ما أُنزِلت فيه وهو الذي يتشدّق بالدّعوة إلى الله..
مثال آخر من أمثلة اللامعقول في سياسة [بنكيران]، وهي أنّه أعطى وعدًا لمعطّلين من حملة الشهادات، ولـمّا عادوا إليه ليذكّروه بوعده، رفع دعوى ضدّ وعْدِه فأبطله ونفض يديْه من ترابه، أليس هذا قمّة اللاّمعقول؟! ثمّ ماذا؟ قرَّر التوظيف بالعُقدة، ولـمّا رفض المدرّسون قراره، أرسل عليهم شواظًا من نارٍ ونحاس؛ كان [بنكيران] على وشك أن يُلغي مجّانية التعليم، لوْلا التدخل الحاسم والفوري لجلالة الملك الذي أثناه عن قراره، أليس هذا مظهرًا من مظاهر اللاّمعقول في السياسة؟! ثمّ كان قد وعد الأرامل والمطلّقات والأيتام بمساعدات شهرية منتظمة، ثم أخْلَف وعْدَه، وفسخَ عقْدَه، وأنكَر عهْدَه.. وفي أحد خطاباته، أراد أن يبرّر كذبَه على المواطنين، فزعَم أنّه حتى سيّدنا [إبراهيم] الخليل عليه السلام، كذب ثلاث كذبات، وحاشا ذلك، والله عزّ وجل يقول في كتابه الكريم: [واذْكُر في الكتابِ إبراهيمَ إنّه كان صدِّيقًا نبِيًا]؛ ثم قال إنّه مُفْعَم بـ(ابن تَيْمية الحرَّاني) الذي كان حلوليًا، ومُجسِّمًا، ويبيح نكاح المتعة، ويقول الشاعر: و[إنْ (كذا) قلتُ، قالوا * بأنّني ثقيلٌ حلوليٌ بغيضٌ ومجسّمُ.. لكنْ لماذا كان [بنكيران] يعزف على أوتار الدّين وهو يكْذب على المواطنين؟ يجيبُ على هذا السؤال سيّدُهم [قطبْ] الذي قال إنّه بالدّين يُمكن جمْع هذه القُطعان، فهؤلاء الذين يحتشِدون في غفلة منهم حوْل [بنكيران] هم مجرّد قُطعان لا غَيْر..
ثم ماذا؟ انطلقتْ أولى صواريخ الأسعار العابرة للقارّات من منصّة [بنكيران]، وتطوّرت وازدادَ مداها في عهد [أخنوش]، ولكن الضّربة القاضية التي سيذكُرها التاريخُ هو خصْمُ [بنكيران] للِثّلث من تقاعُد الـمُتقاعدين الذين أفنوا عُمْرًا في خدمة هذا البلد، وقد قال [بنكيران] إنّه يريد إصلاح صناديق التقاعد، ولكن هذه الصناديق ازدادتْ أوضاعُها سوءًا، وصارت تقتربُ من الإفلاس الشّامِل بسبب الفساد والاختلاسات التي طالت أموال الـمُتقاعدين، وذهب اللصوصُ إلى حال سبيلِهم بلا محاسبة، ولا محاكمة والمتقاعدون هم من يؤدّي الثّمن.. ومن المتقاعدين الآن، من يدعو على [بنكيران] صراحةً، ويشكوه إلى الله في كل وقتٍ وحين؛ و[بنكيران] كان في الواقع، ينفّذ تعليمات [فرانسْواز لا غارد]، الفرنسية التي كانت تترأّس [البنك الدولي]، و[بنكيران] هو كذلك أزّمَ أوضاع البلاد بكثْرة القروض، وجعلها رهينةَ المؤسّسات النّقدية، وبدلاً من أن يتقاعد من سياسة الأكاذيب، والخداع، ما زال مُصِرّا على البقاء في هذا الميدان الـمُفلس الذي لا ينخرطُ فيه مَنِ اتّسَموا بالورع والتّقوى، ثم إن الإسلام الحقيقي لا صلةَ له بالحزبية، والدّيماغوجيةِ، والمكرِ، والكذب، والخداع، قال الشاعر: [همْ في الظّواهر زُهّاد أولُو ورَعٍ * وفي البواطن إخوانُ الشّياطين]..

Exit mobile version