Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

نحن بحاجةٍ اليوم إلى حكومة حكماء بدلاً من دهماء

محمد فارس
عندما تكون الأمّةُ تعيش أيام عُسْرٍ وبلاء، والسّماء صارت غَيْر ذات رَجْع، والأرضُ صارت غيْر ذات صَدْع، وجفَّتِ الأنهارُ والآبار، وهاجرتِ الحيواناتُ والأطيار، وتبيّـنَ للقاصي والدّاني أنّ الأمّةَ سائرة إلى انهيار، ومقاولات تصارع الدّمار، ويئسَتِ الأنفسُ والأبشار، والسّياسي المسؤُول صار يَخبِط خبْطَ عشواء، فتردّدَ واحتار في إيجادِ حلول لِـما صار، بسبب الجفافِ وقلّة الكفافِ، وتفاقُم داء [كوڤيد. 19] وما كان له من مخاطرَ وانتشار، فإنّ هذه الأمّةَ، تبحث عُنوة عن أهل الحكمة والاستبصار، بعيدًا عن مُخادعٍ ومُدّعٍ ومَكّار، حتى لو كان من كبار رجال الأعمال وأبرز التّجار، لأنّ المجالَ ليس مجاله، حتى وإنْ تصنّعَ التّفكيرَ والابتكار، لكنْ أين هي الحِكمةُ وأين همُ الحكماءُ في أمّةٍ تعاني في صمتٍ من شتّى الأضرار؟ دَعْنا أولاً نعرف معنى الحِكمة ومَنْ هُمُ الحكماء؟
[الحِكْمة] أي [la sagesse] هي العلمُ والتّفَقُّه، قال تعالى: [ولقد آتيْنَا لقمانَ الحِكْمة]، يعني العِلم والفَهْم.. والحكمةُ هي العدل، والكلامُ والـمُوافقُ للحقّ، وصوابُ الأمرِ وسداده، ووضْعُ الشّيء في موضعِه، وما يمْنَع من الجهْل والعِلّة، يقال: حكْمة التّشريع وما الحكمةُ في ذلك.. والحكمةُ أيضًا هي الفلسفة، أيْ معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ولها في عُرف الفلاسفة عدّة معان: أُطلِقَ لفظُ الحكمة عند اليونانيين على العِلم، ثمّ أُطلقَ على إحدى الفضائل الأصيلة، وهي: الحكمة، والشّجاعة، والعفّة، والعدالة؛ ثمّ أُطلقَ بعد ذلك على العِلمِ مع العمل، لذلك قيل: الحكمة هي استعمال النّفس الإنسانية باقتباس العلوم النّظرية، واكتساب الملَكة التّامة على الأفعال الفاضلة قَدْرَ الطّاقة البشرية؛ وقيل: الحِكمة معرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة، وهي العلمُ النّافع، أو هي معرفةُ الحقّ لذاته، ومعرفة الخير لأجل العمل به.. وقال [ديكارت]: [ليس المقصودُ بالحكمة الاتّصاف بالحيطة أو الأخذ في الأمور بالأحزم فقط، وإنّما المقصودُ بها المعرفة الكاملة بجميع ما يُمكن أن يُعْرف، لتدبير الحياة، وحِفظ الصّحة، واختراع الصّناعات]، ومعنى ذلك كلّه، أنّ الحِكمة علمٌ وعَمل، فإذا كان الإنسانُ عالـمًا غيْر عامِل بمبادئ عِلْمه، لم يَكُن حكيمًا، فأيّ حِكمة تراها عند وزراء الحكومة، وأيّ حِكمة تلْحظُها عند نواب جعَل الله عقدةً في أَلْسِنتِهم وهم لا يُتْقِنون حتى لغتَهم العربية؟!
فأيُّ حكْمة اعتمدناها في انتخابات ابتدأَتْ بما سُمِّيَ [قُفّة رمضان] وفي ذلك إهانة وحَطٌّ من قيمة شعبنا الذي يُكَرَّس فيه الفقر لاستغلاله عند الحاجة؟ أيُّ حِكمة لمسناها ونحن نرى في صمْت زُمْرة التّجار تَسطو على الحُكم، وتتخوّضُ في ثرواتنا، وتضحك على ذقونِنا بوعود زائفة وشعارات جوفاء، وما إنْ تمكّنتْ من السّلطة حتى أصْلَتْنا سوْطَ عذاب بواسطة رفعِ الأسعار في الموادّ الأساسية وفي المحروقات وكلِّ ما يهمُّ شعبنا المكلوم؟ أيّ حِكمة رأيتَها في منْع أبناء الوطن من ولوج ميدان التّربية والتعليم لمنْ هُم فوق الثّلاثين من العُمر؟ أليس هذا عنصريةً، وإقصاءً، وطبقيةً مفضوحة؟ أيّ حِكمة شاهدْتَها في منع الـمُواطنين مِن وثائقهم وقضاء حاجياتهم إلاّ بالتّوفر على جواز التلقيح الذي لا يقرّه دستور، ولا تُلزِمه قوانين؟ أيّ حكومة تَبيّنْتَها في ميدان العدل، والصّحّة، والتعليم، والسّياحة، وسائر القطاعات؟ فكم من معمل أقْفل أبوابَه، وكم من شركة أعلنتْ إفلاسَها، وهم يَكذِبون علينا بأوراش وهمية، وحلول تلفيقية ثم قالوا: ليست لدينا عصًا سحرية، وهذه العصَا لا وجودَ لها في هذا الوجود، بَل الوجود للفكر المتَّقِد وللعَيْن البصيرة وللعقل الحكيم، وهذه الملَكاتُ ليستْ للِتّجار إطلاقًا، بل حتى ميدان السياسة والتّدبير محرَّم عليهم بشرائع السّماء وقوانين الأرض، لأنّ التفكير لديهم لعنة كما يقول الفلاسفة، بل همّهُم [la soif de l’argent et du pouvoir]، مع الكنز، والتّكديس، والاستِئْثار..
قال جلالة الملك [الحسن الثاني] طيّب الله ثراه: [إن الوطنَ بحاجة لأولاد النّاس؛ وأولادُ النّاس موجودُون، لكِنْ ينبغي البحثُ عنهم]، وأولاد الناس، هؤلاء، كان يقصد بهم جلالتُه [الحُكماء] الذين يقُودون سفينةَ الأمّة إلى خَيْرها ويُجنّبونها خضمّ الأهوال وسوء الأحوال، ويَبْحرون بها إلى شاطئ الخلاص.. هؤلاء [أولاد النّاس] همُ الحكماء الذين كانوا يستحقّون تولّي أمانة خزائن الدّولة، ووُزراء لأموالها، لتجِدَ الأمّةُ ما ترجوه من صلاح الأعمال، واطِّرادِ الأحوال في العُسْر واليُسْر، وفي الرّخاء والبلاء.. لقد وُزِّعَت [قُفَفُ رمضان] لا ابتغاءً لوجه الله، ولكن كطُعْم لملءِ السّلة بالأسماك يوم الانتخابات، وحتى يكونَ الـمعْزل مزارًا لذوي الجرْبَزة أي الخُبث والخداع وما أكثر النّفوس الرّخيصة والقُطْعان البئيسة التي تسقط في شباك صيّادي الأصوات، وصَدق [سارتر] وهو يصف بعض الانتخابات، بانتخابات [نابليون الثالث] حين قال: [إنّ المعْزل المنصوب في قاعة دراسية أو في الـمُختارية، يعني (la mairie)، هو رَمزُ كلّ الخيانات التي يمكن أن يَقترفَها فردٌ تجاه الجماعات التي ينتمي إليها].. فهل هؤلاء التّجار الذين استفردوا بالحُكم خدمونا أمْ خذلونا؟ أجيبوني أنتم ولكم كلُّ الفضل!

Exit mobile version