Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

نصف المغاربة يعانون من اضطرابات عقلية

دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى بلورة سياسات وبرامج عمومية منسقة لتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات العقلية والمخاطر النفسية-الاجتماعية، وأوصى المجلس في دراسة له حول الصحة العقلية على المستوى الوطني بمناسبة اليوم العالمي للصحة العقلية، بتحسين إمكانية الولوج لرعاية نفسية وعقلية ذات جودة.
وتوقف المجلس على كون 48,9% من المغاربة يعانون أو قد سبق لهم أن عانوا من اضطراب نفسي أو عقلي في فترة من الفترات، ومقابل ذلك، يُسجل خصاص كبير في عدد الموارد البشرية (454 طبيبا نفسانيا) والأسرة الاستشفائية (2431 سريرا)، وهو ما يؤشر على ضعف استثمار الدولة في منظومة الرعاية النفسية.
ورصدت الدراسة أن التعاطي مع الصحة النفسية والعقلية يتم بطريقة قطاعية ومن زاوية المرض العقلي فحسب، وهي مقاربة تغفل الدور الأساسي للمحددات السوسيوثقافية للصحة، من قبيل درجات العنف العائلي والاجتماعي، وأشكال التمييز ضد المرأة، وظروف الشغل في الوسط المهني، ووسائل حماية الأطفال والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة، واستمرار الوصم الاجتماعي والنظرة السلبية للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية.
وسجلت دراسة المجلس وجود أوجه قصور على مستوى الإطار القانوني والخبرة القضائية في مجال الأمراض العقلية والنفسية، إضافة إلى الصعوبات المرتبطة بالإيداع القضائي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية داخل مؤسسات العلاج إما لأسباب وقائية أو جنائية، ولا سيما أمام الخصاص الموجود في الطاقة السريرية وبنيات الطب العقلي والنفسي.
ولتجاوز هذه الإكراهات والاختلالات الرئيسية المسجلة في مجال سياسة الصحة العقلية والتكفل بالاضطرابات العقلية والنفسية والوقاية من الانتحار، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات، ومن أبرز توصيات المجلس، بلورة سياسات وبرامج عمومية منسقة لتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات العقلية والمخاطر النفسية-الاجتماعية، على أن تقوم هذه السياسات والبرامج على مؤشرات مرقمة وقابلة للقياس، وعلى دراسات للأثر على المستوى الصحي والاجتماعي.
و دعا المجلس إلى إعادة النظر في مشروع القانون رقم 71.13 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، قبل المصادقة عليه، وذلك بالتشاور مع الجمعيات المهنية، ونقابات أطباء الأمراض العقلية، والأخصائيين النفسيين، وممرضي الصحة العقلية، وجمعيات المرتفقين والمجتمع المدني.
وشدد على ضرورة تعزيز الضمانات القانونية والقضائية للأشخاص المصابين بالاضطرابات العقلية، بما يراعي حالاتهم الصحية، ويوفر لهم حماية أمثل، وذلك من خلال ملاءمة أفضل لمقتضيات القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مع خصوصيات واحتياجات المرض العقلي.
و أبرزت الدراسة أهمية التدخل على مستوى المحددات الاجتماعية والثقافية المؤثرة في الصحة العقلية والنفسية للأفراد (مكافحة التمييز بمختلف أشكاله، العنف، التحرش، الهشاشة، العزلة، الوحدة)، والرصد المبكر لحالات الأفكار والسلوكات الانتحارية لدى الأطفال والشباب في الوسط العائلي، وداخل المؤسسات التعليمية والتكفل بها.
و أوصى بالتدخل على مستوى الأخطار النفسية-الاجتماعية في الوسط المهني، من خلال المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل؛ وتطوير طب الشغل داخل المقاولات، ومراجعة مدونة الشغل في اتجاه إقرار جريمة التحرش المعنوي؛ ومراجعة لائحة الأمراض المهنية من خلال إدراج الاضطرابات النفسية والعقلية المرتبطة بظروف العمل.
و دعا المجلس إلى تحسين إمكانية الولوج لرعاية نفسية وعقلية ذات جودة، تكون مواكِبة لما بلغته المعارف والعلاجات من تطور، ومستجيبة للاحتياجات الخاصة للمرضى، لا سيما تلك المتعلقة بالسن والحالة الاجتماعية والاقتصادية ووسط العيش وأشكال الهشاشة التي يعانون منها.
وخلص التقرير إلى التأكيد على ضرورة النهوض بمهنة الأخصائي النفسي من خلال وضع نظام أساسي وضريبي واضح وموحد لهذه الفئة، ووضع سجل رسمي للأخصائيين النفسيين، ناهيك عن مراجعة وتحيين المصنف العام للأعمال المهنية (NGAP) في الشق المتعلق بالتكفل بالاضطرابات العقلية والتعريفة الوطنية المرجعية ذات الصلة، وذلك في ضوء التطورات الطبية التي شهدها مجال العلاج والتكفل بهذا النوع من الاضطرابات، مع الحرص على تطبيق تعريفة معقولة.

و وجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، تطالب فيها بالتدخل العاجل من أجل توفير الرعاية والعناية والعلاجات الصحية اللازمة لمرضى الصحة النفسية والعقلية، وأشارت الجمعية في رسالتها التي تتزامن مع تخليد اليوم العالي للصحة النفسية، أن المغرب يقع ضمن دائرة الدول التي تفتقر إلى البنيات الاستشفائية، رغم وفرة ثرواته وعظمة موارده، ووجود تشريعات في الموضوع؛ كالظهير رقم:295-58-1، الصادر في 30 أبريل 1959، بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها؛ وأحكام الدستور، لاسيما المادة 34 منه، وقالت إنه من بواعث القلق أن غياب المعطيات المكتملة؛ إن لدى وزارة الصحة أو عند المفوضية السامية للتخطيط؛ سواء من حيث عدد المصابين بالاضطرابات النفسية والفئات المتضررة من الأطفال والشباب والنساء والمسنين؛ أو من جهة تحديد أسباب تفشي الظاهرة؛ يحبط كل مسعى للإحاطة بحقيقة وضعية الصحة النفسية ببلادنا.
وأكدت الجمعية أن تاريخ “بويا عمر”، كمكان للتخلص من المرضى من ذوي الاضطرابات العقلية وكسجن لاحتجازهم وتعذيبهم عبر الضرب والتكبيل بالسلاسل الحديدية والحبال، سيبقى وصمة عار في تاريخ انتهاك الحق في الصحة العقلية والنفسية في بلادنا، وسيظل علامة إثبات على الجرائم التي تستحق المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، وأضافت أنه في الوقت الذي تقر فيه وزارة الصحة أن 40 % من المغاربة الذين تفوق أعمارهم 15 سنة يعانون من أمراض عقلية ونفسية، وأن عدد الأسرة المخصصة لهم لا تفوق 2238 سريرا وأن عدد الأطباء لا يتجاوز 290 طبيبا نفسيا موزعون بين القطاع العام والخاص، علما أن أغلبهم يعمل في المدن الكبرى وخاصة الدار البيضاء والرباط وطنجة، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تؤكد على أن بلادنا تتوفر على 7090 زاوية وضريحا.
وشددت الجمعية أن هذا المعطى لوحده يدل على أن الدولة تقر بالإهمال واللامبالاة وترعى بوعي ثقافة الشعوذة والخرافة؛ وهو الأمر الذي أقر به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حين صرح في إحدى جلسات مجلس النواب سنة 2018، جوابا على سؤال يتعلق بالتصدي للاستغلال عن طريق ممارسة الرقية الشرعية بأن ” منع الرقية يبقى بيد العلماء ولا يدخل ضمن اختصاص الوزارة” وأدرجها ضمن السوق التي تخضع ” للعرض و الطلب”، وأضاف أن تقنينها ” يحتاج إلى عمل مشترك بين وزارة الأوقاف وقطاعات حكومية أخرى، من بينها وزارتا الداخلية والصحة”، بينما هي في الواقع جزء من الشعوذة والاتجار في مآسي المواطنات والمواطنين واستغلال خوفهم من المرض باسم الدين.
وطالبت الجمعية باتخاذ إجراءات مستعجلة لإيجاد حل لمرضى الاضطرابات النفسية المشردين/ات في شوارع وأزقة المدن والقرى، بما يضمن حقهم/ن في العلاج والحماية والوقاية، وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الأممية ذات الصلة، ومن خلال إعمال الاستنتاجات والتوصيات الواردة في تقارير المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، الذي يجري عرضها على دورات مجلس حقوق الإنسان.
وأكدت على ضرورة الكف عن الاستمرار في سياسة هدر الموارد في رعاية الفكر الخرافي وتشجيع الشعوذة، عوض الاستثمار في الصحة والتعليم، بما يناسب العصر الذي نعيش فيه ويستشرف المستقبل، لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على كرامة أجيال بلادنا بين الأمم التي تتسابق نحو النهوض بالحقوق والحريات.
ودعت إلى الوفاء بما تم التعهد به من خطط وبرامج، كما هو الشأن بالنسبة لخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان التي نصت، من بين ما نصت عليه علاقة بالموضوع، على التدابير 127، 139 و145، في المحور الفرعي الثالث: الولوج إلى الخدمات الصحية؛ القاضية بالإسراع بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها؛ والنهوض بالصحة النفسية والعقلية وتحفيز طلبة الطب على التخصص في الطب الشرعي والطب النفسي والوظيفي وتوفير المناصب المالية اللازمة لذلك.

Exit mobile version