وصف نقابيون وحقوقيون، ظاهرة الفساد بالمغرب بـ”المرض الزمن”، محذرين من كون الظاهرة تتسع مع غياب الرقابة و المراقبة وتفعيل القوانين الرادعة، مؤكدين انه ” ورغم كل التشريعات والقوانين والإجراءات التدبيرية وشعار ربط المسؤولية بالمحاسبة، تظل ظاهرة الفساد بجميع أشكاله، إحدى الأمراض المزمنة التي تعيق التنمية المستدامة بالمغرب، وتقوض تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
واعتبر النقابيون، ” أن المغرب ظل يحتل مرتبة متقدمة في لائحة الدول التي ينتشر فيها الفساد كوباء ومرض مزمن، واحتل بذلك المرتبة 80 في مؤشر الفساد في العالم، والمرتبة 41 في ترتيب الدول العربية، حسب التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية الذي ضم 180 دولة.
واعتبر المنظمة الديمقراطية للشغل، أنه وبقدر ما ارتفع منسوب جرائم الفساد والاثراء اللامشروع، ارتفعت معه معدلات الفقر والفقر المدقع، وظلت ملفات المؤسسة الدستورية للرقابة على المال العام في رفوف وزارة العدل دون تحريك للمساطر القانونية.
واعتبرت النقابة أن محاربة الفساد والارتشاء والاغتناء والاثراء اللامشروع يتطلب تحديد السياسات الواجــب إتباعها لتحقيق الأهداف ومعالجة الظواهر المسببة للفساد، وتحديد الإجراءات المطلوبة للمشاركة الفاعلة فــى مكافحــة الفســاد مـن كافة الجهات المعنية وعلى رأسها المؤسسات الدستورية، حيث شددت المنظمة على ضرورة تحديث الإجراءات القضائية من أجل تحقيق العدالة الفورية، وتنزيل القوانين لمحاربة الإثراء غير المشروع، ونشر قيم النزاهة والشفافية والتوعية بمخاطر الفساد وسبل منعه.
من جهته شدد نجيب أقصبي المحلل الاقتصادي، على ان وتيرة النمو في المغرب ضعيفة، بل وفي تناقص مستمر، منبها إلى أن التنمية لا تزال مرتبطة بالأمطار، ولا تستطيع تجاوز سقف معين، ونبه أقصبي إلى أن الاقتصاد المغربي ومنذ الاستقلال يدور في حلقة مفرغة، مثيرا مشكل العقل والنظام السياسي المغربي في هذا الأمر.
وأوضح أن صلب المشكل يكمن في الاختيارات المؤسسة لهذا الواقع التنموي الضعيف، فالاختيارات الخمسينية التي راهنت على اقتصاد السوق جعلتنا أمام اقتصاد الريع، والمراهنة على العولمة حولتنا إلى اقتصاد الواردات والمديونية.
وسجل المحلل الاقتصادي أن هذه الاختيارات ذات الطبيعة السياسية بالأساس تكون بدون ارتباط مع حاجيات الناس، فلو كانت الاستثمارات تتجاوب مع انتظارات الغالبية الساحقة للمواطنين، لكانت لها المردودية المطلوبة.
وعلاقة بالنموذج التنموي الجديد، فقد أبرز أقصبي أن من أشرفوا على إعدادا الوثيقة وضعوا منذ البداية خطوطا حمراء أمامهم، ما جعل كل نظرهم داخل الخطوط، ويتماشى معها، وقد أنتج هذا الواقع تشخيصا مغلوطا، وإن وضع الأصبع على بعض المشاكل.
ولفت إلى أن الريع الذي تحدث عنه النموذج التنموي هو المرتبط بالسوق، إذ يعتبرون أن هناك فاعلين يستغلون مواقعهم لاحتكار قطاع معين ومنع آخرين دخول ذلك السوق، في حين أن التحليل الموضوعي للريع يبين أن هذا جانب فقط منه، في حين أن الريع هو امتياز يأخذه الشخص بحكم العلاقة مع السلطة، فهو قرار سلطوي وسياسي، حيث إن سلطة سياسية تستغل سلطتها لتنمية طبقة زبونية، وخلق علاقة بين السلطة والاقتصاد غير منتجة وغير ناجعة ولا تخلق القيمة المضافة.
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة النظر إلى الحاجيات الحقيقية للمغاربة، وربط التنمية بهذه الحاجيات دون تفاوتات، فعلى أساس الحاجيات ينبغي أن نبني الاستثمارات.
وبخصوص الطبقة الوسطة في المغرب، فقد أبرز أقصبي أن لا أحد يملك تحديد تعريف حول الطبقة الوسطى، فأرقام مندوبية التخطيط في سنة 2008 تشير إلى أن هذه الطبقة تشكل 54 في المئة، وهناك أرقام تصل إلى حدود 58 في المئة، مقابل تقديرات أخرى أكثر واقعية تقول إن هذه الطبقة تشكل ما بين 15 و25 في المئة فقط، وهذا اختلاف كبير.
لكن بالعودة إلى بعض الأرقام المتعلق بنسب الفقر والهشاشة، وبالنظر إلى كون الإحصاءات تشير إلى أن اتساع الفرق بين أغنى وأفقر 10 في المئة من الساكنة بالمغرب تصل إلى 38 مرة فرق، يظهر لنا حجم تقلص الطبقة الوسطى بالمغرب.
وأوضح أقصبي العلاقة المتكاملة بين اتساع الطبقة الوسطى والتنمية، فهذه الفئة هي السوق الداخلية أي الطلب، واتساعها يعني الرفع من الإنتاج وحركة اقتصادية.
نقابيون يصفون تفشي الفساد بـ”المرض المزمن”
