يتداول المغاربة فيما بينهم مثلا أو حكمة “قال ليه بّاك طاح..جاوبو: من الخيمة خرج مايل”. أي حديث عن النهايات لا يستبعد الحديث عن البدايات، وكلما كانت الانطلاقة جيدة كانت النهاية مجرد وقفة لاستئناف المسير، لكن ما حدث للنقابات في السنوات الأخيرة، يحيل على النهايات بالمعنى الفوكويامي، يعني الوصول إلى عصر الفوضى النقابية والنقابي الأخير، فما معنى أن يحصل المستقلون على 51 في المائة من مجموع الأصوات المحصل عليها في الانتخابات الخاصة بالمأجورين؟
كثير من المعطيات حملتها الانتخابات الأخيرة، نكتفي منها بثلاثة فقط للحديث عن النقابة ومآلاتها في الوقت الحاضر، الأولى هي عدم حصول النقابات مجتمعة على نصف أصوات الناخبين بمختلف القطاعات، في العام والخاص، والثانية هي تراجع المركزية النقابية الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، التابعة لحزب العدالة والتنمية، وعدم قدرتها على الحفاظ على صفتها ضمن المركزيات الأكثر تمثيلية، التي بموجبها تحظى بالمشاركة في الحوار الاجتماعي، والثالثة هي عدم قدرة النقابات المنشقة عن المركزيات التقليدية الحصول على رتب مهمة أو الحصول على العتبة، التي تخولها صفة الأكثر تمثيلية.
ثلاث وقائع نخرج منها بثلاث خلاصات حول وضع النقابات حاليا. الخلاصة الأولى تفيد أن النقابات لم تعد هي تلك الحاضنة لطموحات الموظفين والعمال والمعبر عن همومهم ومطالبهم، وبالتالي فقد تحولت إلى مجرد حامل لمصالح ضيقة لم يعد يجد فيها العامل ذاته فهرب نحو التصويت على المستقلين.
إن التصويت على المستقلين هو نوع من التصويت العقابي، الذي مارسته الطبقة العاملة في القطاعين العمومي والخصوصي، ضد النقابات، التي لم تتمكن من أن تكون ممثلا لها خلال السنوات الماضية، لهذا انفضت من حولها، وأعطت أصواتها لغير المنتمين.
الخلاصة الثانية وهي أن مصير النقابة هو مصير الحزب لما تقدم وعودا ولا تستطيع تنفيذها فاعلم أن الناخبين سيعطون أصواتهم لآخرين وإن لم يفعلوا فلن يصوتوا على أحد، وتراجع نقابة العدالة والتنمية وخروجها من صف الأكثر تمثيلية، هو عقاب لها على وقوفها في صف الحكومة بينما كانت تتقدم بالقوانين الأكثر كلفة اجتماعية، خصوصا ما يتعلق بالتقاعد.
الخلاصة الثالثة هو أن الانشقاقات النقابية ليست وليدة خلافات حول آليات تدبر الحوار مع الحكومة أو أدوات النضال الجماهيري، ولكنها خلافات إما شخصية أو حول الزعامة أو اقتسام الغنيمة، لهذا لم تكن بديلا وإنما جزء من تقاسم نتائج الأزمة.
النقابات اليوم أمام الباب المسدود، لأنها لم تنتج البديل لما هو موجود، كما أنها لا تتوفر على خطاب قادر على استيعاب التحولات التي عرفها العالم والمنطقة وعرفتها أيضا بلادنا، فتغير أدوات الإنتاج كان يفرض تغييرا في الخطاب والسلوك، لكن كيف لها ذلك وأقدم نقابة في المغرب تأسست قبيل الاستقلال تعاقب عليها فقط زعميان، والكونفدرالية التي عمرها اليوم 42 سنة أيضا الشيء نفسه وكلهم من شيوخ النضال بينما تحتاج النقابة حيوية وفتوة لا تتوفر إلا في الشباب.
أزمة النقابات بنيوية تتعلق بالأفكار والسلوك فرغم أنها تعيش اليوم غير أن تتصرف بنمط الأمس.
نهاية النقابات…على ضوء نتائج انتخابات المأجورين
