Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هؤلاء أساتذة في الكذب جهابذة في التّضليل

محمد فارس
مِن أغْرب الأكاذيب على التّاريخ وتزييف الحقائق، هو ما يبدعه السّياسيون، ويصدّقهم العوام الذين لا يَقرؤُون، ولا يتصفّحون كتبَ التاريخ؛ ومِن أغرب هذه الأكاذيب هو القولُ إنّ العربَ ساعدوا اليهودَ بعد مأساة [ليلة الزّجاج المكسور]: [كريستال ناخت] سنة (1938) في [ألمانيا] النازية.. قيل هذا، يوم (27 ماي) خلال تدشين أول متحف يخلِّد ذكرى [الهولوكوست] في الشرق العربي.. قال سفيرُ [إسرائيل] وسانده في الكذْبة سفيرُ [ألمانيا] إنّ العربَ المسلمين مدُّوا يدَ المساعدة لليهود المنكوبين بعد (ليلة الزُّجاج المكسور)؛ وصدقَ الفيلسوفُ الألماني [شوبّنهاور] حين قال: [هؤلاء أساتذة في الكذِب، وجهابذة في التّضليل]؛ وها أنتَ ترى كذِبَ السّفير الإسرائيلي، وتضليل السّفير الصُّهيوني الألماني، فهل ساعدَ العربُ فعلاً هؤلاء اليهود في [ألمانيا] النّازية؟ وأين كان هؤلاء العرب؟ هل في سنة (1938) كانت هناك دولة عربية مستقلّة، ذات سيادة، حتى تُقدِّم المساعدة لهؤلاء اليهود؟ أيةُ لعبةٍ يلعبونها، وأيّةُ كذبة يبدعونها، وماذا يرجون وراءَها؟ ياه!
لكنْ دعْنا نتذكّر كيف حدثَت مأساة هذه اللّيلة، وما هي أسبابُها؟ قام الصّهاينة في [فرنسا] بشحْن شابٍّ يهودي يُدْعى [هيرشَل كروس بَاند]، وذكَروا له ما يتعرض له اليهودُ في [ألمانيا] وما تعانيه عائلتُه، فحمّلوه مسدّسًا، فأطلقَ النّار على دبلوماسي ألماني يُدعى [ڤُون رَات]، فمات في المستشفى، فبلغ الخبرُ [هتلر]، فأمرَ [غوبلز] بالتحرُّك، وكانت تلكم الفرصةَ التي ينتظرها وزيرُ الدّعاية النّازي، فعبّأ المواطنين الألمان، وضخّم الأخطارَ التي يشكّلها اليهودُ على [ألمانيا]، فكانت [ليلة الزّجاج المكسور].. كان الألمانُ يهاجمون بيوتَ اليهود، ويَقذفون بهم إلى الشّارع ويحتلون مساكنَهم تحت حراسة قوات [إيس ــ إيس] تمامًا كما يحمي الجيشُ الإسرائيلي اليوم المستوطنين وهم يُخْرجون الفلسطينيين من مساكنهم في [حي الشيخ جرّاح].. كان [غوبلز] يريد محاكمةَ هذا الشّاب اليهودي، ولكنّ [فرنسا] رفضتْ تسليمَه، واقترحَ عليه محاميُهُ الصّهيوني أن يدَّعي بأنّ له علاقةَ شذوذ جنسي مع الدّبلوماسي المغتال، فلما سمع [هتلر] بذلك، أُصيبَ بالرّعب، وأمرَ [غوبلز] بأن يَصْرف نظَره عن محاكمة الشاب تفاديًا للفضيحة، وقد كان الشّذوذ يومئذٍ لا يُطاقُ وغيْر مسموح به في [ألمانيا] النّازية..
اتّصل الوكيلُ العام بمدير السّجن في [باريس]، وأمره بأخذ [كروس باند] ليلاً إلى غابة وإطلاق سراحه، ثم قال له: [إنّ هذه المكالمة لم تتمّ بينَنا أبدًا]، فأجابه مديرُ السّجن قائلاً: [لم تتمّ أبدًا سيّدي الوكيل العام]، وأُطلقَ سراحُ اليهودي.. وعندما اجتاحت [ألمانيا] النّازية [فرنسا] سنة (1940)، أُلقيَ القبضُ على اليهودي [هيرشل كروس باند] ولا أحدَ يعرف إلى اليوم ماذا كان مصيرُه، كما ألقتْ قوّاتُ [إيس ـ إيس] القبضَ على الوكيل العام الفرنسي، وأُرسلَ إلى المعتقل ولا أحد يعرف ماذا كان مصيرُه.. في سنة (1938) كان العربي الفلسطيني، مُفتي (القدس) في [برلين]، وكان يشارك في الاستعراضات العسكرية رافعًا يدَه كتحية نازية، وكان يجالسُ [هتلر] اعتقادًا منه أنّ [هتلر] قد يعيد [فلسطين] للعرب وهذا الوهمُ قد جنى على [أمين الحُسَيْني] وعلى الأمّة جمعاء، وقد أفتى بقتل كلّ سياسي يخالفه الرأيَ، وكان من بين المغتالين السّياسي [النَّشَاشِيبي]؛ والواقع أنّه لا النازيون، ولا البريطانيون كان في نيّتهم إرجاعُ (فلسطين) للفلسطينيين، وما زال هذا الوهمُ قائمًا إلى يومنا عند من يعتقدون أنّ [الولايات المتّحدة الأمريكية] سوف تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلّة إلى جانب دولة [إسرائيل]: إنّهم يتوهّمون!
في هذه الفترة من الثلاثينيات، كان مستشارُ ملكٍ عربي اسمُه [خالد الحُوت] يزور مقرّ [البيرغهوف]، وعند المدخل يرفع التّحيةَ النّازيةَ، لأنّ [هتلر] آنذاك، كان هو سيِّدَ العالم بلا مُنازِع.. في سنة (2015)، وخلال المؤتمر الصّهيوني العالمي في (القدس)، قال [نتانياهو] إنّ (أمين الحُسَيْني) هو الذي أشار على [هتلر] باضطهاد اليهود، وهذه كذبة أخرى، لأنّ كتابَ [كفاحي] يفنّدها ويبيِّن موقفَ [هتلر] من اليهود قبل أن يصبح زعيمًا في [ألمانيا]، حيث يقول بالحرف في هذا الكتاب: [اليهودي ليس ألمانيًا].. وعلى هذا الأساس، فمن نصدّق؟ هل نصدّق [نتانياهو] الذي قال إنّ (أمين الحسيني) هو من أشار على [هتلر] بقتل اليهود، أم نصدّق سفيرَ (إسرائيل) الذي قال إنّ العرب مدُّوا المساعدةَ لليهود بعد (ليلة الزّجاج المكسور)؟ فكِلاهما كاذبان، وكِلاهما ينطبق عليهما قولُ [شوبنهاور]: [هؤلاء أساتذة في الكذب، جهابذة في التّضليل]، ودولتهُم قامت على الإرهاب، والكذب، والتّضليل..

Exit mobile version