كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن الخصاص الكبير في عدد الأطر الصحية، مؤكدين أن ” 23 ألف طبيب يعملون بالمغرب بينما تحتاج المنظومة إلى 32 ألف طبيب إضافي، حسب المعايير الصحية لمنظمة الصحة العالمية، كما أنه في حاجة كذلك لأزيد من 65 ألف مهني صحي، وأوضح المجلس في تقرير له حول “فعلية الحق في الصحة بالمغرب” أنه من المتوقع أن تتزايد هذه الحاجيات من الأطر البشرية بشكل متسارع في المستقبل بسبب مجموعة من العوامل، على رأسها تعميم التغطية الصحية، والنمو الديمغرافي للساكنة، وشيخوخة المجتمع وانتشار الأمراض المزمنة والطويلة الأمد.
وتطرق المجلس في ذات التقرير عن نزيف هجرة الأطباء والأطر الصحية، حيث تقدر الإحصائيات أنه أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون بالمغرب، هناك ما بين 10 ألف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون ببلاد المهجر، وخصوصا بالبلدان الأوروبية، وهو ما يجعل واحدا من كل ثلاث أطباء مغاربة تقريبا يمارسون بالخارج، رغم الحاجة الملحة للمغرب لكل أطباءه بل للمزيد منهم.
وسجل المجلس، التوزيع غير المتكافئ لهذه الأطر على التراب الوطني ذلك أن أكثر من نصف الأطباء يعملون في محور الجديدة الدار البيضاء الرباط القنيطرة، كما أن ثلثا المهنيين الصحيين يتمركزون بأربع جهات من المملكة، في حين يتوزع الثلث الباقي على الثماني جهات الأخرى، مع سوء توزيع هذه الأطر داخل الجهات نفسها، وما بين المناطق الحضرية والمناطق القروية، وأضاف أنه نتيجة لهذا التوزيع غير المتكافئ فإن الوصول إلى العلاج يتعذر على العديد من المواطنات والمواطنين، مما يساهم في ظاهرة التخلي عن خدمات الرعاية الصحية.
وأشار المجلس، أن المعطيات التي توصل بها أن أربعة مواطنين من أصل عشرة يضطرون لقطع أكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى أول نقطة صحية، وأكد أن هناك حاجة ملحة اليوم إلى تكوين عدد كبير من الأطباء سنويا وكذا عدد أكبر في باقي المهن الصحية، مشيرا أن مشروع تكوين 3300 طبيب سنويا الذي أقرته الحكومة سنة 2007 في أفق 2020، لم يحقق مبتغاه ولا اقترب من أهدافه، ففي سنتي 2019 و2020 بلغ عدد الأطباء المكونين ما بين 2100 و2200 طبيب فقط، أزيد من 600 ـ 700 طبيب منهم يهاجرون نحو الخارج.
وشدد على أن الأطر الطبية العاملة في القطاعين العام والخاص على حد السواء، تعاني من ضعف الأجور والمداخيل مقارنة حتى مع الفئات المهنية الأخرى، وغياب التحفيزات وتدهور ظروف العمل والممارسة الطبية.
و قال المجلس الوطني لحقوق الإنسان إن الأسر المغربية تتحمل أكثر من 50 في المائة من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من %63 إذا تم احتساب مساهمة الأسر في التغطية الصحية، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام المواطنين للولوج إلى العلاج، ويساهم في انزلاق نسبة مهمة من الساكنة سنويا نحو الفقر والهشاشة.
وأشار المجلس في تقرير له حول “فعلية الحق في الصحة بالمغرب” أن ضعف وأحيانا سوء استخدام، الموارد البشرية بسبب مشاكل التدبير، يجعل جزء من الموارد البشرية والبنيات والتجهيزات في حالة عطالة، بينما جزء آخر تحت الضغط.
ولفت إلى أن هذا ما يجعل القطاع في حاجة إلى ترشيد توظيف التجهيزات والبنيات والموارد البشرية، وزيادة إنتاجية الموارد البشرية بتحسين ظروف وأساليب وأدوات العمل، واعتماد آليات التقييم والتحفيز.
وأكد أنه بالرغم أن التمويل الصحي يعتبر ركنا أساسيا لفعلية الحق في الصحة فإن الميزانية العامة لوزارة الصحة لازالت تتراوح بين %6 و%7 من الميزانية العامة عوض %12 الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية أو مقارنة مع دول أخرى ” 10.7٪ في الجزائر، أو 12.4 في المائة بالأردن، و13.6 في المائة بتونس” كما أن الإنفاق الصحي يبقى أقل من 6 ٪من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المعدل العاملي الذي يبلغ %10.
وأوضح أنه بالإضافة إلى المستوى المنخفض من الإيرادات، يتم تمويل النفقات الصحية أساسا من طرف الأسر بنسبة 63.3 في المائة، 50.7 في المائة منها بشكل مباشر، و 24.4 في المائة من الموارد الضريبية، و 22.4 في المائة من اشتراكات الضمان الاجتماعي.
وشدد التقرير على أن مساهمات الأسر المرتفعة في تمويل النفقات الصحية يشكل عائقا أمام الحق في الصحة والعلاج بسبب ضعف الولوج إلى العلاج، ” 0.6 استشارة علاجية بالسنة لكل فرد مقابل 2.7 في تونس و 6.4 في فرنسا و13 باليابان”، وأضاف أن إجمالي الإنفاق على الصحة للفرد يبلغ 161 دولار بينما يبلغ 471 دولار في المتوسط بالنسبة للبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، أو بلدان مثل الأردن 250 دولارا أو تونس 340 دولارا.
وسجل التقرير أنه لهذه الأسباب فإن منظمة التجارة والتعاون الاقتصادي OCDE تقدر أنه على المغرب أن يرفع، في أفق سنة 2030 من مستوى الإنفاق الصحي بمقدار 2.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وز أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن اختلالات القطاع الدوائي في المغرب تؤثر بشكل كبير على صحة المواطنين من خلال إعاقة ولوجهم إلى العلاج بشكل عادل، وسجل المجلس في تقرير قدمه أمس الجمعة، حول “فعلية الحق في الصحة”، انشغاله البالغ بأن سوق الأدوية في المغرب لايزال ضيقا وغير شفاف، وأكد المجلس أن سوق الأدوية في المغرب يعاني من الاحتكار وهيمنة بعض الأصناف الدوائية، مع ضعف الشفافية، وغياب سياسة عمومية حقيقية للدواء الجنيس.
هجرة 14 ألف طبيب
