Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هل صار رجالُ الدّين حَربائِيين مِثل السِّياسيين الفاسدين؟

محمد فارس
كنّا في مقالةٍ سابقة قد ردَدْنا على رجل دين كان يترضّى على بعض الخلفاء الأمويين من الظَّلمة والبُغاة الفاسقين في إحدى القنوات الفضائية، ومنذ أيام فقط، عاد هذا المتحدّثُ فكان يلْعَن بعض الأمويين الطُّغاة، وتخلّى بقدرة قادر عن التّرضي عنهم ممّا يدلّ على أنّ هؤلاء حربائيُون، ولا يمكن الاطمئنانُ أوِ الثّقة بهم في ما يحدِّثون به؛ ومعلوم أنّ الدّولة الأمويةَ أساسُ سياستِها طلبُ السّلطة، فاستعانوا على ذلك بالعَصَبية القُرشيَة واصطناع الأحزاب؛ فجرّتْهم تلكَ العصبيةُ إلى انقسام العرب إلى قبائلها كما كانت في الجاهلية، وانقَسمت إلى عصبيات وطنية.. والذي يهمّنا ههُنا، هو بعض حكّامهم الذين عُرِفوا بالرّذيلة إلى جانب القتل، وقطْع الرّؤوس، والطّوافِ بها في الشّوارع، فكان أولُ رأسٍ قُطِعَ وحُمِل من بلدٍ إلى بلد هو رأسَ [عَمْرو بن الحَمْق الخزاعي] من قَتلة [عثمان]؛ وأول رأسٍ طيفَ به في الأسواق، رأسُ [محمّد بن أبي بكر]، وأول رأسٍ حُمِل إلى الخلفاء، رأْسَا [هانِئ، وابن عقيل]، ثم رأسُ [الحسَيْن] حفيدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهكذا فعل [الحجّاج] برأس [عبد الله بن الزُّبير] وكذلك فَعل [عبدُ الملك] برأسِ [مُصْعب بن الزّبير]، حيث سيرَ به من [الكوفة] إلى [الشام]، فنُصبَ فيها؛ جاء هذا في تاريخ [ابن الأثير]، صفحة: 162؛ المجلّد: 04..
ولعل هذا المتحدّث قد راجع معلوماته، وكنّا قد تحدّيناه أن يُكذِّب ما قلناه في المقالة السّابقة، وقد جاء هذه المرّة باللِّعان، بدَل التّرضي؛ ومعلوم أنّ بعض الجهلاء يترضّون على [يزيد] حتى لإنّ إحدى الدول العربية أَدْخلت السّجنَ أحدَ خُطباء الجمعة لِلَعْنِه هذا الفاسق الذي قال في بيتٍ شعري عبارةً كُفْريةً وهي: [لعِبَتْ هاشِمُ بالـمُلكِ، لا تَسَلْ * فلا خبرٌ جاء ولا وَحْيٌ نزَل]؛ ولكنّ التّاريخ يحكي لنا أنّ أعرابيًا دخَل على [عُمر بن عبد العزيز] فسمّى [يزيدًا] بأمير المؤمنين، هكذا، فجلدَه الخليفة؛ والظّاهر أنّ هذا المتحدّث، قد راجع معلوماته، فتغيّر موقفُه، وركّزَ على [سليمان بن عبد الملك] الذي اغتالَ [قُتَيْبة بن مُسْلم] فاتح [الصّين]؛ كما ركّز على ما فعله بِـ[موسى بن نصير، وطارق بن زياد]، فصار مستحقّا لِلّعْن.. وجرائم الحكام الأمويين كثيرة، نذكُر في هذه المقالة بعضًا منها..
[الوليد بن يزيد] المتوفّى سنة (126هـ) كان خليغًا، سِكّيرا، همُّه الصّيد، وشربُ الخمر، حتى جعل الخمر في بِرك يغوص فيها ويَشرب، فسُمِّي: خليع بني أُميّة؛ فتح المصحفَ الشّريف ذات ليلة، فقَرأ: [واسْتَفْتحوا، وخابَ كلّ جبّارٍ عنيد، من ورائِه جهنّم، ويُسْقى من ماءٍ صَديد] صدق الله العظيم. فأمر بالـمُصحف، فعلّقوه، وأخذ القوسَ والنّبل وجعَل يرميه حتى مزّقَه عن آخره، ثمّ أَنشَد هذين البيتين: [أتوعِدُ كلّ جبّار عنيد؟ * فها أنا ذاك جبّار عنيد * إذا لاقيتَ ربَّكَ يوم حَشْرٍ * فقُل لله: مَزَّقني الوليد!].. أمّا [الحجّاج] فقد ضربَ الكعبة بالـمَنْجنيق؛ أمّا [بِسْر بن أَرْطَأة]، فقد هدَم البيوتات في [مكّة]، أمّا في [اليمن] فقد ذَبحَ طفليْن أمام أُمِّهِما، فأنشدَتْ بحَسْرة: [يا مَن أحسّ بابنيّ اللّذيْن هُما * كالدّرتيْن تشظى عنهما الصدف]..
فغرائبُ رجال الدّين كثيرة، وخزعْبلاتهم مثيرة، فاحْذروهم، ولا تُصدِّقوهم في كلّ ما يحدِّثون به أكانوا سُنّةً أو شيعةً، فلا فَرق بينهم في التّرهات والأكاذيب، وكمثال على ما أقوله، أذكِّر بما قاله شيخٌ شيعيٌ، حيث ذكَر أنّ الإمام [عليّا] كرم الله وجهه، كان يقرأُ الفاتحةَ وهو في المهد، فصاح من كانوا يستمعون إليه: الله أكبر! فأيّ مغفّل سيُصدِّق هذا؟ وأيّ جاهِل سيقْبل هذا؟ ولكنّ البُلَهاء كُثُر في هذه الدّنيا.. ومنذ أيام، سمعتُه يقول إنّ رجُلاً أتى إلى الإمام [الرِّضا]، فطلب منه أن يُحيِي أبويْن له كانا قد ماتا منذ زمنٍ بعيد، فوعده [الرِّضا] بذلك، فلـمّا عاد الرّجلُ إلى بيته، وجد أباه وأمّه في البيت وهما في أحسن حال، ومعلوم أنّ إحياء الموتى هي معجزة خصَّ بها الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم [عيسى] عليه السلام، ومعلوم أنّ الشّيخ [الـمُهاجر]، وهو من شيوخ الشّيعة ومَراجِعهم، معروفٌ بهذه التّرهات، ومُبْدع للِسّخافات، يضحَك بها على ذُقون السذّج والـمغفّلين الذين تقاعدَتْ عقولهُم عن التّفكير، فيصدِّقون كلّ ما يقال لهم من طرف هؤلاء الـمُلتحين أو الـمُعَمَّمِين من قَبيل رضاع الكبير، والمهدي الـمنتظر، وقِسْ على ذلك من الأمور الـمُضحكة التي تُنسَب إلى الإسلام، والإسلامُ بَريء منها، لأنّه دين عَقْل، ودينُ فِكْر، ودينُ حرّية، لا دين غَفْلة وبلادة وتَبَعية..

Exit mobile version