محمد فارس
الجواب: كلاّ! لم يكُنِ القرنُ (20) رحيمًا بالعالم العربي، بل كان قرنًا قاسِيًا، دمويًا، ومضطربًا، وطويلاً زمنيًا، وما زلْنا نجترُّ مآسيه، وخيباته إلى يومنا هذا؛ فما هي الأحداثُ والحروبُ التي جادَ بها عليْنا هذا القرنُ، والتي هزَّت العالمَ العربي البائِس والمنكوب إلى أقصى الحدود؟ لقد قال الفيلسوفُ الألماني [هيغَل]: [إنّ التاريخ مأساويٌ في جوهره]، وقد صدقتْ هذه المقولة ولو في حقِّ العرب على الأقل، كيف ذلك؟ دعْنا نستقرئ التاريخ لنرى ونفحص مصداقية هذه المقولة: [ثورة إبراهيم هنَانُو: 1919 ــ 1921]: هي الثّورة التي قام بها قائدُها (إبراهيم هنَانُو) وذلك في (حلب) متّصلة بثورة (الشّيخ صالح العَلي) في (اللاّذقية)، وقد أُنزِلت بالفرنسيين خسائِر فادحة، ممّا دعاهم إلى حشْد قُوّات ضخمة، ألجَؤُوا بها قائدَ الثّورة إلى مغادرة البلاد إلى (القدس)، غيْر أنّ السلطات البريطانية أسْلَمتْه إلى الفرنسيين الّذين عقَدُوا له محاكمةً، اضطرّوا إلى تبرئته فيها لِتَهدئة الاضطراب..
[ثورة الشّيخ صالح العَلي: 1919 ــ 1921]: هي الثورة التي نَشبتْ ضدّ الفرنسيين في (سوريا) أيام الانتداب الفرنسي، وكانت ما بيْن عامَي: (1919) و(1921) منذ كانتِ الحكومة الفَيْصلية في (سوريا) في منطقة (اللاّذقية)، ودامت هذه الثّورةُ ثلاث سنوات، ولدى دخول (فرنسا) إلى (سوريا) الدّاخلية، لم تتَمكّنْ من إخمادها إلا بالاحتيال والخديعة.. [معركة ميْسَلون: 1920]: هي المعركة التي دارت في منطقة (ميْسَلون) في (سوريا) بين السُّوريين بقيادة (يوسف العَظَمة) وبيْن الفرنسيين، وقد كانت الهجماتُ على القوات الفرنسية على الحدود بين (سوريا) و(لُبنان)، وقد شكّلتْ عاملاًِ للتّحرك الفرنسي لاحتلال (سوريا)، وكانت الحكومة، حكومةً عربية برئاسة الملك (فَيْصل)؛ ظلّ (يوسف العظَمة) يُقاتلُ حتى سقطَ، ودخل الجنيرالُ الفرنسي (غُورُو) مَزهوًا بانتصاره في (25 يوليوز) سنة (1920)..
[الثورة العِراقية: 1920]: بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عُيِّن السِّير (أرْنُولد ولسُن) الجاسوسُ والضّابطُ الأنجلو ــ هندي معتمدًا لِحُكومته في (العراق)، فسارع إلى الإعلان عن الحُكم العسكري، وجعل السّلطات كلّها متركّزة بيد الإنجليز، كما أنه لم يُشْرك العراقيين إلاّ في الوظائف الثّانوية، وكان يَرى أنّ مبدأ حقّ تقرير المصير ليس إلاّ مَحْض خُرافة، مؤكّدًا لحكومته أنّ العراقيين راضُون عن هذا الاحتلال؛ وفي هذه الأثناء، كان بركانُ النُّفوس يمورُ ويَغْلي ويكاد ينفجر بحِمَمِه على الاحتلال، وقد كان إقدامُ حاكم (الرَّميئَة) البريطاني على اعتقال أحد شيوخ العشائر، سببًا مباشرًا لاندلاع الثّورة.. ولـمّا عجزت سلطاتُ الاحتلال عن فرض سيطرتها، عمدَت إلى عزْل (أرنولد ولسُن) وعَيّنَتْ بدلاً منه (كوكس) في أكتوبر عام (1920)، وهكذا، فقد كان (كوكس) قد دعا إلى التّعاون معه، وأسند لنقيب أشراف (بغداد) (عبد الرّحمان الكِيلاني) رئاسةَ حكومة مؤقّتة تمهيدًا لتنصيب مَلِك على (العراق)..
[الحربُ في فلسطين: عام 1921]: كانت هذه الحربُ بين العرب والصّهاينة عبارة عن اعتداءات من الصّهاينة ضدّ العرب؛ ففي (مايو: 1921) كانت هناك مظاهرات قومية في مدينة (يافا)، فبدَا من الصّهاينة ما استفزّ شعورَ العرب، فحدثَ أول اشتباك بينهم، واستَفحل الأمرُ وتحوَّل إلى صراع دَمَوي شمِلَ جميعَ أنحاء المدينة، فوقع عددٌ غيْر قليل من الضّحايا من الفريقيْن؛ فأوفدَت الحكومةُ البريطانية لجنةً لِلتّحقيق في أسباب هذه الحوادث، ورأى العربُ أنّه لا يُرْجى أيُّ استقرار من جرّاء ازدياد سَيطرة الصّهاينة وتكاثُر عددِهم في البلاد..
[معركة الشّام الكبرى: 1925]: معركة دارتْ في (دمشق) أيام الانتداب الفرنسي على (سوريا)، إذِ انقلبتْ أحياءُ العاصمة وغُوطَتها إلى جحيم من نيران البنادق، وقد زَحفَ الثُّوار إلى قلب المدينة، فَحُوصِرتْ حاميةُ قصْر (العَظم) وكان فيها (70) جنديًا فرنسيًا، وامتدَّ الحصارُ إلى قلعة (دمشق)، فصدرتِ الأوامرُ بضرب (دمشق) بالطّائرات، والمدفعية لإرهاب السّكان؛ وبعْد هدوء القتال، لم يدّخرِ الفرنسيون وُسْعًا في استعراض البربرية الفرنسية بقتْل الأسرى، والطّواف بِجُثثهِم عارية في الشّوارع، مع عرْضِها في السّاحات العامة، ممّا أثارَ نقْمةَ الناس، فالتحقَ الفلاّحون والعمّال بصفوف الثّورة، حتى بلغَ عددُهم أربعين ألفًا؛ وما زالت المآسي وسوف نستعرضُها في مقالات لاحقة، لنرى إلى أيِّ حدٍّ كان التّاريخُ مأساويًا بالنّسبة إلى عالـمِنا العربي البائس..
هل كان القرنُ (20) قرنًا رحيمًا بالعالم العربي؟
