Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هَلَ تَحوّلنا من أَنام إلى أنعام؟!

محمد فارس
هكذا قال ذات يوم الأديب الكبير [إليا أبو ماضي] عندما قال: [إن بعض الأنام مثل الأنعام] لما رآه من خُنوع، وانعدامٍ للكرامة، وتراجُع لإنسانية الإنسان، وهذا أشبهُ بما قاله الفيلسوف الفرنسي [جان بول سارتر] عندما اختار لإحدى رواياته المأساوية عنوان: [موْتى بلا قبور]؛ فهل تحوّلْنا نحن المغاربة وقد لقَّبنا المؤرخون [بلد النّبلاء] إلى أنعام؟ هل صرنا موتى بلا قبور؟ الجواب: كلاَّ وألفُ كلاّ؛ فما نام المغربي الأبي يومًا على ضَيْم، والتاريخُ يشهد بذلك.. والمغاربة الأبرار يُشبهون الڤيتناميين الأحرار، فإذا كان الڤيتناميون قد حاربوا تِباعًا الصّينيين، ثم اليابانيين، ثم الفرنسيين؛ ثم الأمريكان، فإنّ المغاربةَ هم كذلك، حاربوا الصّليبيين، ثم الأتراك، ثم الفرنسيين، ثم الانفصاليين في صحرائهم المسترجعة وقدَّموا التّضحيات الجسام، وما زالت قبورُ شهدائهم تملأ الرّحبَ، فكيف سيتحوّلون إلى أنعام أو إلى موتى بلا قبور؟
عندما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم [مكةَ]، قال للمشركين: [ماذا تظنّون إنّي فاعلٌ بكُم؟]، قالوا: [أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم]، قال عليه الصلاةُ والسلام: [اِذْهبُوا، فأنتمُ الطّلقاء]؛ نفسُ الموقف اتّخذه جلالةُ الملك [محمد الخامس] قدّس الله روحه عندما عفَا عن عملاء وخُدّام الاستعمار الفرنسي فقال جلالتُه: [عفا الله عما سلَف]، ولكنّ الـمُعْفى عنهم من الطّلقاء أيام النّبي الكريم، أو الـمُعْفى عنهم أيام جلالة الملك بعد الاستقلال لم يقدّروا قيمةَ هذا العفو، حيث استولى الطّلقاءُ على الحُكم أيام [عثمان] رضي الله عنه، وتخوّضُوا في مال الأمة، وحرَموا المسلمين من حقوق أوصى بها لهم رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتَلوا (آل البيت) واغتنَوا ووزّعوا السّلطة بينهم، ونصّبوا أفرادًا حذّر منهم النبيُّ الكريم مثْل [الحكَم] وابنِه [مَرْوان] اللذيْن لقّبهما رسولُ الله بـ[الوزَغ ابن الوزَغ] وآخرين نزلت فيهم آياتٌ تَذمُّهم مثل [الوليد بن عقبة]؛ وكذلك فعل من عفا عنهم [محمّد الخامس] طيّب الله ثراه، وقد رأينا ما فعله [أوفقير]، و[المدبوح] و[اعبابو] وغيرهم كثير، وقد بقي أذنابُهم من خدّام [فرنسا] إلى يومنا هذا، وهُمُ الذين يُصْلون بسياستهم المغاربةَ سوْطَ عذاب، ويتخوّضون في مال الأمّة بلا حسيب أو رقيب، ويضرِبون حقوق المواطن، ويستهدفون جيوبَ المغاربة، ويَضعون قوانين مجحفة بدعوى [خدمة الوطن]، و[الحفاظ على الصّحة العامة]، وتنزيل بنود [النّموذج التنموي]، وإنّهم والله لكاذبون..
قال [شُعْبة]: [إنّه خيرٌ لي أن أَزْني مِن أن أكذِب على الأمة]؛ لأنّ الزّاني يَرتَكب إثْمًا في حق نفسه فقط، وأمّا الكذّاب فإنّه يرتكب إثمًا فادحًا في حقِّ أمّةٍ بأَسْرها وشتّان بين الأمريْن.. وهؤلاء يَكذبون علينا ويَخدعوننا بوعود زائفة وهم مجرد عَبدَة مال وكهَنة مناصب.. لكنْ هل لنا في الواقع حكومة نثق بها ونفخر؟ الجواب: كلاّ! لكن دعْنا نسأل الفلاسفة والمفكّرين عن ماهية الحكومة وكيف تكون إذا ما أرادت أن تستحقّ شرفَ لقبِها: سألنا الفيلسوف [جون لوك] فأجاب: [إنّ وظيفةَ الحكومة هي حماية الإنسان وحياته وحرّيته وكافّة حقوقه] وقد أطلق على هذه الوظيفة اسمَ: (حكومة الحراسة اللّيلية للشّعب وحقوقه؛ فهل ترى أنّ هذا الوصف ينطبق على هذه الحكومة التي ابتُلينا بها اليوم، وهل يمكن للتّجار أن يُشكّلوا حكومةً تحمي الحقوق؟
ثمّ سألنا مفكرًا آخر يُدعى [مونتيسكيو] فأجاب: [كلّما كانت الحكومة أكثَر مُلاءَمة لمنازع الشّعب ومُلبّية لمطالبه، ومحافظةً على حقوقه وحرّيته، كانت إلى طبائِعِ الأشياء أقرب]؛ وهذا الفيلسوف يَعتبر النظامَ الملكي الدّستوري أحسَن الأنظمة، وأبشَع الحكومات، الحكومةُ الاستبدادية كَحُكومة إلزامية اللِّقاح، ومَنْع من فاقتْ سِنُّهُ (30) من ولوج ميدان التّربية والتعليم، ورَفع الأسعار مع منْع الاحتجاجات السِّلمية بالعصِي والقمع وكأنّ الشّعبَ قد تحوَّلَ إلى أنعام أو إلى موتى بلا قبور.. ويقول فيلسوفٌ آخر بصريح العبارة، إنّ أية حكومة تلجأ إلى القمع، والقهر، والطّغيان، فإنّها تكون بذلك قد عبّرتْ عن عجزِها وفشلها ولم يعُد لديها ما تعطيه غيْر العصا.. لكنْ من أين أتوا بهذا الكذب الفاضح؟ أتوا به من [فرنسا]؛ ألم تكذبْ [فرنسا] على المغاربة عندما وعدتْهم بالاستقلال عندما تتخلّص هي من نيْر النّازية؟ وفعلاً تحرّرتْ [فرنسا] وتنكّرتْ لوعودها فحاربها المغاربةُ بعدما حاربوا إلى جانبها ولكن هل تَحررنا فعلاً؟

Exit mobile version