يبدو أن وزيرة الانتقال الطاقي لن تحقق القفزة المرجوة لأنها تقفز في الهواء، وتمارس هواية أكل الذات بدل تثمينها. فالموظفون السامون هم كنز الوزارة وليسوا دائما حجر عثرة في وجهها، وبالتالي ينبغي التعامل معهم وفق المردودية، فما بالك إن كان الموظف السامي لا تربطه بالوزارة سوى تدبير الإدارة والوثائق، ونقصد هنا المدير العام للمكتب الوطني للماء والكهرباء، الذي وصفت الوزيرة طريقة تدبيره بالتقليدية.
بداية لسنا في وارد الدفاع عن المدير فهو أدرى بما يدافع به عن نفسه، ولكن الوزيرة، التي تُسرع نحو حتفها، لا تفهم أن قدر الأصالة والمعاصرة، أن يكون ضحية لعزيز أخنوش، الذي لم ينس الهجومات التي شنها ضده وهبي قبيل الانتخابات، ولهذا منحه وزارات مكلفة فقط بالبنايات وشراء مناديل الورق وجافيل.
وزيرة الانتقال الطاقي ليست وزيرة التحكم في الطاقة ولكن البحث في الاستراتيجية وفي السياسات العمومية في هذا المجال، أما من يدبر التدبير فهو المكاتب المكلفة بذلك من بينها المكتب، الذي يجري الحديث عنه، ومكتب الهيدروكاربورات ومكاتب أخرى ذات طابع استراتيجي، دعنا نقول ذات طابع سيادي، لا يمكن أن تكون في مرمى الأحزاب السياسية للتلاعب بها انتخابيا.
فلا طاقة لوزيرة الطاقة على الصبر حتى تفهم أن هناك قانونا صادق عليه البرلمان، وكان عنوانا لجدل واسع ونقاش مستفيض، يتعلق بالتعيين في المناصب السامية، أو هو ما يُعرف إعلاميا بـ”قانون ما للملك وما لرئيس الحكومة”. فأغلب المؤسسات يتم التعيين فيها من قبل المجلس الحكومي، فاق عددها ألفًا ومائة منصب، ولكن هناك بضع مؤسسات يتم التعيين فيها عن طريق المجلس الوزاري، وهي حوالي أربعين مؤسسة، توصف بأنها ذات طابع سيادي أو استراتيجي.
هذه المناصب موسومة بأنها ذات خاصية وحساسية كبيرة، وكلها من المؤسسات التي تدبر القطاعات الاستراتيجية، التي لا يمكن بتاتا أن تخضع للتقلبات السياسية، التي هي من طبع الحكومات، باعتبار أنه عقب كل انتخابات يتم تعيين وتنصيب حكومة جديدة مكونة من تحالف حزبي مختلف، وبالتالي لا يمكن لهذا التحول أن ينسحب على مؤسسات ينبغي أن تبقى ثابتة في تدبيرها.
الصراع الذي افتعلته الوزيرة، التي لم تجلس بعد مع المدير ولا مع المدراء الآخرين لمجموعة من المؤسسات الاستراتيجية، طبيعته مصلحية، لأن الوزيرة منذ أن تم تنصيبها وهي تسارع الخطى نحو التخلص من أغلب موظفي الوزارة بمن فيهم من حقق نتائج مهمة، ومنها نتائج تفتخر بها هي نفسها، ولمس الجميع خضوعها المطلق للكاتب العام لقطاع البيئة، الذي ربطت بينها وبينه علاقات عمل لما كانت تشتغل في إحدى الشركات قبل استوزارها.
وزيرة الانتقال الطاقي لم تستوعب الانتقال من العمل في شركة إلى العمل في حكومة، وحاولت نقل أسلوب الأولى إلى الثانية وهذا خطأ، وغرّها “المدّاحون” عندما تقاسموا فيديو لها وهي تتكلم الإنجليزية بطلاقة، وكأننا نريد تسيير الحكومة بمنطق “الدليل السياحي المزيف”، لأن الوزيرة لديها الأدوات لكي تصلها الملفات باللغة التي تفهم، وهذا هو خطؤها عندما اعتبرت الوزارة شركة وأن إتقان لغة، وهو أمر مطلوب، يؤدي إلى المعرفة الدقيقة بدواليب وزارة مستعصية على الإخضاع كما تريد، لأنها بفعلها تسعى للضغط على أخنوش كي يقترح شخصا آخر على جلالة الملك، ولو افترضنا أنه ينبغي تغيير المدير المذكور فلن يتم ذلك عن طريق الضغط، فهناك معايير لاختيار المسؤولين عبر المجلس الوزاري.
وزيرة الطاقة لا طاقة لها على الصبر
