Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

وَيل للمغاربة من حكومة حزب التُّجار

محمد فارس
قال [بكر بن عبد الله المزني]: أسْلَم يهودي اسمُه [يوسف]، وكان قرأ الكتُب، فمرّ بدارِ [مروان] فقال: ويْلٌ لأُمة محمّد من أَهل هذه الدار.. وهو يُشبه ما كنّا قد قُلناه قبيْل وصول حكومة [أخنوش] إلى السلطة: ويْل للمغاربة من حكومة حزب التّجار.. فلـمّا وصلَ [عبد الملك بن مروان] إلى السلطة، وكان يتظاهر بالورع والتّقوى لـمّا كان رجلاً غيْر ذي سلطة، ولـمّا بلغَها قال للمواطنين صراحةً في أول خطاب له: والله لا يأْمُرني أحدٌ بتقوى الله بعد مقامي هذا، إلاّ ضربتُ عنقَه، ثم أضاف: وإنّي لا أُداوي أدواءَ هذه الأمة إلاّ بالسيف حتى تستقيم لي قناتكُم.. هذا يشبه إلى حدٍّ ما، ما فعله [أخنوش] مع المغاربة، حيث وعدَ بتربيتهِم وقد فعَل، وسلّط على المغاربة وُزراءَ يعْملون حرفيًا بإمرته، وكلّ وزارة تجد أنها في سياستِها تمثل عصرًا مخالفًا بالقياس إلى الوزارة الأخرى، ولكنّ القاسمَ المشترك بيْن هذه الوزارات هو الضّعفُ والفشلُ..
لكنْ لو دقّقْت النّظَر جيّدًا، لألفيْتَ أن كلّ وزارة تُذكِّركَ بالزّمن الغابر، فهذه الوزارة تذكّر بظُلم الأمويين، وهذه تذكّر بفساد الأحكام عند العباسيين، والأخرى تذكّر ببذْخِ الفاطميين، وتلك تذكّر بإقطاعية الكنيسة في زمن الفيودالية، وهكذا، فكلّ وزارة تذكّر بعصرٍ من العصور الغابرة.. كان الأُمويون هم أول من وضَعوا السّجون في التاريخ، وكانوا هم من فَرقوا السّلطة والوزارات بيْن ذويهِم وأتباعهم، وكانوا هم من تحكّموا في الأسواق، ورفعوا أثمانَها، وكانوا هم من أخذوا بالظّنَة وعاقبوا على الشّبْهة، وكانوا هم من أطلقوا أيدي عمّالهم وقُوادهِم تشجيعًا لهم وتنفيذًا لأغراضهم، كان العربيُ تصادرُ أرضُه أو تسلَب أملاكُه، فلا يعْرف أين يذهَب لاسترداد حقوقه، أليس هذا ما يحدُث اليوم في زمن حكومة حزب الأحرار، أو كما تلقّب بحقّ، حكومة التّجار؟ أنتَ ترى اليوم كيف فشَت المظالم، وكيف صنّف المغاربة بين مَوَالٍ وأحرار، والموْلى يُظلم وإنْ صرخَ واستجار..
في العصر العباسي، يقال بالإجمال، إنّ الأحكام كانت ضائعة بين الوزراء، وكلٌّ كان لا يرجو إلا منفعةً لنفسه، ممّا يكْتسبُ من أموال في أثناء نفوذِ كلمتِه، حتى أصبح الغرضُ الأولُ من رئاسة وزارة هو حشْد المال؛ فالوزيرُ الذي يتولّى أمور وزارة، لا يدْري ما يكون مصيرُه بعد عامٍ أو عامين أو أكثر، فلا يهمّه من منصبه كوزير غيْر الكسْب من أيّ طريقٍ كان، عملاً بالقاعدة التي وضعها رئيسُ الحكومة آنذاك [ابن الفُرات] وهي قولهُ: إنّ تَمْشية أمور الدّولة على الخطإ، خيرٌ من وقوفها على الصّواب.. بالله عليكَ، أليسَت هذه بالضبط سياسة حكومة [أخنوش]، التي لا تحرّكُ ساكنًا، ولا تعاقبُ فاسدًا، ولا تتّخذ قرارًا صائبًا، وقد رأيتَ كمّية الفضائح التي توالتْ وتناسلَتْ والحكومةُ صامتةٌ صمْتَ القبور! ألا ترى كيف تُنزَعُ أراضي الناس، وكيف تصادرُ أملاكُهم، ويُخْرجون من بيوتهِم تمامًا كما كان يحدُث أيام العباسيين الذين أنشَؤُوا ديوانًا خاصّا مثل سائر دواوين الحكومة، فكانتِ الأموالُ والأملاكُ تُتَداوَل بالـمُصادرة كما تُتَداوَلُ بالـمُتاجرة؟
كان العباسيون قدوةً لمن قام بعدهم، فالفاطميون كانوا يناظرون العبّاسيين في كل شيء، حتى لإنّ بذْخَهم فاق بذْخَ من سبقهم، فهم كانوا أكثَر إنفاقًا، وتبذيرًا للأموال، كما شجّعوا على المناكِر كالغناء الفاسق، والمسْكِرات، والقصْف، وقس على ذلك، ونَمَتْ ثرواتُ الوزراء، يَفْرضون الجبايات، فكانوا يحْشِدون منها ما شاؤُوا، وكيف شاؤُوا، فتأنَّقوا في الأطعمة، والألبسة، وعمّ الفسادُ الأخلاقي الأمّةَ برمّتها، فكان الفاطميون لا ينهوْن عن ذلك، فنجمَ عن ذلك فسادُ الأحكام من الضّيق المالي، وغلاء الأسعار في المدُن، وما نشبَ من تطاحُنٍ بين الأحزاب، وراجتِ الدسائسُ في دواوين الوزراء، وسادت المظالمُ، واستبدّ الوزراءُ بشؤون الدولة، وكثرت القراراتُ الـمُضحِكة والغريبة حتى أتاهُم [صلاحُ الدين] وجعل لهم نهايةً وانتهى زمانهُم، السّياسة نَفْسُها تشهدُها الآن، من منْكَر، وفساد، وبذْخ، وتبذير، لكن إلى متى؟! أنت ترى أنّ حكومة التجار، عادت بنا القهْقرى إلى عصر الإقطاع والفيودالية زمنَ صوْلة الكنيسة التي أبلغتِ النّاس أنّه [من أرادَ الملكوت، فخُبزُ الشعير، والنومُ في المزابل مع الكلاب كثيرٌ عليه]؛ ومع هذه الحكومة، فحتى خبزُ الشّعير عزَّ بسبب الغلاء؛ وأما النومُ مع الكلاب فهيْهات، لأنّ الكلابَ سيَبني لها (أخنوش) ملاجِئَ تأويها، وأما الذين أخرجُوا من بيوتِهم ظلمًا، فسينامون في العراء هُمْ وأطفالهم، وهذه من القرارات الـمُضحكة التي عُرفَ بها الفاطميون؛ فمَن يُنْقذُنا من هذه الحكومة التي كبسَتْ على أنفاسِنا وتَخَوضَتْ في ثرواتنا؟

Exit mobile version