إدريس عدار
ما كانت فرنسا تعتقد في يوم من الأيام أنها ستكون ميدانا لاحتجاجات عنيفة. ما وقع أخيرا مختلف تماما عما وقع في الفترة التي تشكلت فيها السترات الصفراء. احتجاجات تقول إن الديمقراطية الغربية شاخت وتحتاج إلى بديل. كانت فرنسا ترفع رأسها عاليا مطالبة بحق الشعوب في التعبير. حتى لو خرج الشعب يريد تغيير كل شيء ينبغي منحه الفرصة بل منحه المكان. ساهمت في تغيير الأنظمة تحت هذا الشعار. الفرنسيون الذين يخرجون اليوم يطالبون بشيء بسيط. ألا يُمس تقاعدهم.
نهاية الترف الفرنسي بعد أن أصبحت باريس منبوذة في دول أنهكت ثرواتها. لم يعد لدى فرنسا ما تسكت به الشعب بعد أن حولت هذه الأموال لتسليح زيلينسكي خدمة لمشروع غربي كبير. مشروع اصطدم بعقلية وروح الرجل الشرقي. أعجبتني عبارة بوتين “إننا ندافع عن الفطرة السليمة”. في هذا الأمر كلام كثير حول قيم الغرب المفروضة بالغلبة رغم أنها شائخة اليوم.
فرنسا تهتز ومعها تهتز أفئدة بيئاتها الحاضنة في العالم. تحترق. لم يعد رئيسها يدعو إلى منح الشعب حقه في التعبير. لقد استغل أقصى نقطة وأقساها فقام بتمرير قانون التقاعد دون تصويت. وتبقى الديمقراطية مادام الدستور تم التصويت عليه. كتبت سابقا عن “السترات الصفراء ونزع السحر عن الديمقراطية”. اليوم نزعت السحر عن كثير من الأشياء.
نزعت السحر عن الحقوق التي يدافع عنها الرئيس الفرنسي عندما يتعلق الأمر بشعوب أخرى. يهمه وفاة فتاة في هذا البلد واعتقال معارض في بلد آخر، لكن ليس من حق الفرنسيين الخروج للتعبير عن حقهم. وقع تخريب خلال الاحتجاجات غير معروف من المسؤول عنه. ولو كانت فرنسا في مرمى مدفع الفوضى لتحولت الأمور إلى ما هو أكبر.
لم يخرج ماكرون لسانه للحديث عن حق الشعب ولكن أخرج قوات الأمن لقمع المحتجين. عنف خطير تمت ممارسته في حقهم. قد يكونوا ارتكبوا مخالفات تتعلق بالتخريب، لكن ليسوا مسلحين مثل “المعارضة المسلحة في سوريا” مثلا. حيث تم جمع كل فضائل الإرهاب العالمي تحت عنوان “الجيش السوري الحر”. وكانت فرنسا تساند هذه المعارضة.
ونزع الحراك الفرنسي السحر عن حركات الدعم. أين أصدقاء الشعب الفرنسي على غرار أصدقاء الشعب السوري؟ لماذا لم تتشكل جمعيات للمطالبة بحق الفرنسيين في التعبير؟ لماذا يسكت العالم عنهم؟ لماذا يحق لهم وحدهم إصدار الأحكام والتقارير؟
لقد تم نزع السحر عن كثير من المنظمات والمؤسسات الدولية. محكمة العدل الدولية أصدر مذكرة “كاريكاتورية” لتوقيف بوتين. مرت اليوم 20 سنة على غزو العراق بدريعة تدمير أسلحة الدمار الشامل. دمروا العراق ولم يكن هناك دمار شامل. لماذا لم تصدر مذكر توقيف ضد الرؤساء الأمريكيين المسؤولين عن مقتل الملايين؟
في المغرب تأسست ذات يوم لجنة لدعم الشعب السوري. وخرج يساريون وإسلاميون للتضامن. هل هناك أصدقاء للشعب الفرنسي؟ هو أيضا يستحق خصوصا وأن الإعلام لا يهتم به كثيرا لأن أغلب الإعلام وظيفي.