أصدرت المندوبية السامية للتخطيط تقريرا عن إنتاج الثروة في المغرب موزعا على الجهات، وتحدثت عن كل جهة وعن حجم مساهمتها في الإنتاج الداخلي الخام للمغرب، وأظهرت أن هناك أربع جهات فقط هي من تظهر في الصورة والباقي “زايد ناقص” كما يقال.
الجهات كلها مظلومة، سواء تلك التي تنتج أو التي لا تنتج. فظهرت جهات تعيش على الاقتصاد الثانوي، مثل بعض الجهات التي ليست فيها صناعة وتنتظر موسم السياحة لتجني الثمار، وهي تستهلك هنا ما تم إنتاجه في جهات أخرى، بينما بعض الجهات فهي غير منتجة بشكل نهائي.
الحديث عن العدالة المجالية يجر إلى الحديث عن مشاريع الحكومة. فالعدالة المجالية تعني التوزيع العادل للثروات بين الجهات، وهي السبيل الوحيد لبناء مغرب متوازن.
هناك جهات تنتج بشكل كبير وتحظى بأغلب المشاريع وهي بالتالي المنتجة للثروة، وهي بقدر ما أنها محظوظة تبقى مظلومة باعتبارها هي الجهة التي تنتج ثروة المغاربة بشكل كبير، بينما جهات أخرى تستهلك فقط، لا بمعنى أن هناك من يتصدق عليها، ولكن بمعنى أنها لا تساهم في الإنتاج الداخلي الخام، وكل ما يأتيها من مصاريف التسيير والتدبير والمشاريع هو من جهات أخرى.
عمليا ليس هذا الأمر سلبيا بل إيجابي، وهذا معنى أن “تأخذ من الغني وتعطي للفقير”، أي إن الجهة الأكثر غنى تصرف على الجهة الفقيرة، لكن تلك الجهات مظلومة لأن الحكومة لا تسطر برنامجا لإنجاز المشاريع وسطها، وهي وحدها القادرة على إخراجها من حالة أن تبقى عالة على جهات أخرى إلى جهة منتجة.
ما تقوم به الحكومة يساهم بشكل كبير في إفراغ المغرب العميق من ساكنته، وكأن هناك مخططا “أسود” اعتمد على “مخطط أخضر” لتهجير الناس من غير رضاهم وعنوة وبطريقة ناعمة نحو المدن حتى يخلو لهم الجو للاستثمار في البوادي.
فلما فكرت الحكومة في نقل مجموعة من الاستثمارات إلى المغرب العميق، لم تقم بتنمية المنطقة وعن طريق أبنائها، ولكن تم الهجوم عليها بواسطة شركات فلاحية وغير فلاحية في أغلب الأحيان في ملك تجار كبار من نادي “تجمع المصالح الكبرى”، بينما تم التعامل مع أبناء المنطقة كعبيد، ولهذا أغلبهم قرر الخروج نحو أرض الله الواسعة.
حملوا إلى المغرب العميق زراعات لا قبل لناسها بها، من قبيل زراعة الدلاح والأفوكا المستنزفة للفرشة المائية والمكلفة، واستثمروا في النخيل حتى أصبح المزارع البسيط مهددا في نخلاته وأغلبهم هاجر نحو المدينة بحثا عن فرصة أخرى.
العدالة المجالية تقتضي توزيعا عادلا للمشاريع عبر كافة التراب المغربي حتى يتسنى لكل المواطنين إيجاد مورد رزق ولن يهاجر حينها إلا من رغب في ذلك أما اليوم فالهجرة من غير إرادة لأن هناك ظلما مجاليا.