بعد شكر جلالة الملك محمد السادس لكل الدول التي عبرت عن رغبتها في المساهمة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، جاء الدور على أربع برقيات، رسائل عميقة، وجهها جلالة الملك على انفراد لكل من قائد مجموعة الإنقاذ البرطيانية وقائد مجموعة الإنقاذ الإسبانية وقائد مجموعة الإنقاذ الإمارتية وقائد مجموعة الإنقاذ القطرية، على الجهود التي بذلوها في سبيل تجاوز المغرب لهذه المحنة. رسائل اعتراف وشكر وامتنان.
الاعتراف بقدرات هذه الفرق ومهاراتها لا ينبغي أن ينسينا ما قاله قادة الفرق عن المنقذين المغاربة من الجيش وباقي المؤسسات الأخرى، وأنهم أمهر المنقذين الذين رأوهم في العالم.
جلالة الملك كان دقيقا. أدار الأزمة بديبلوماسية كبيرة وحنكة قائد يعرف كيف يتم التصرف في المحنة، التي لا ينبغي أن يتم فيها تغليب العاطفة على العقل.
وهكذا منذ البداية أعلنت المملكة المغربية قواعد دقيقة خاضعة طبعا للمعايير الدولية قصد قبول العروض المقدمة من قبل عشرات الدول، وهذا لا يعني بتاتا رفض مساعدات باقي الدول، لكن كل الدول التي تقدمت بعروض وكل المنظمات التي تقدمت أيضا احترمت قرارات الدولة المغربية، التي أعلنت عنها باستثناء دولتين، هي فرنسا والجزائر.
الجزائر حاولت أن تفرض أمر الواقع بلعبة مكشوفة، لكن المغرب اختار النوع من بين العروض المقدمة، وظنت الجزائر أنها ستحرج المغرب، بينما الطائرات الثلاث التي تزعم أن المغرب حرم منها المتضررين تم جمعها في حومة واحدة من دروب المغرب، حتى أن المناطق المصابة بالزلزال أصبحت توجه نداءات من أجل استبدال نوع المساعدات. وما قامت به الجزائر لا يعدو أن نوعا من “السينما” لأن المغرب لم يرفض ولو احتاج للجزائر لقال ذلك لكنه لم يعرب عن حاجته لدولة كبرى في العالم وهي أمريكا. بينما كانت الجزائر قد أعلنت رفضها لمساعدة المغرب في إخماذ الحرائق وافتخرت بذلك.
أما فرنسا فنفهم غضبها جيدا، وهي التي لا تمل من نهب خيرات الشعوب، فكيف تكون دولة ذات بعد إنساني؟ ولكن ماكرون، وهو يترنح، كان يفكر في الشركات الفرنسية الكبرى وفي الصفقات التي سوف تفلت منها إذا لم يتم قبول المساعدة في الإنقاذ والإغاثة. الإنسانية عند ماكرون “بيزنيس”. فكون المغرب تربطه شراكات بفرنسا فهذا بسبب ارتباطات تاريخية وثيقة ولكن لا يعني أن فرنسا لها أولوية في المغرب.
المغرب بلد ذو سيادة اختار من يساعده بعناية ودقة ووفق المعايير المعمول بها، وبالتالي لا يمكن أن يفرض عليه نوعا من أنواع المساعدة، وهكذا شهدت المفوضية الأممية المكلفة بالإاثة بأن المغرب طور أدواته في الإغاثة، بينما قالت منظمة الصحة العالمية إن الوضع الصحي تحت السيطرة، وهذا يعني الانتصار في معركة الزلزال.
بالجملة نقول إن الإدارة الديبلوماسية لمعركة ما بعد الزلزال تؤكد خيارات المغرب الهادئة التي لا يمكن التشويش عليها ولا يمكنها الانسياق وراء التشويش.