“فتحُ الأندلس” مسلسلٌ لم نَرَ فيه فتحًا ولا أثرًا لطارق بن زياد

محمد فارس
كنتُ قبْل موعد الإفطار، أُتابع مسلسل [فتْح الأندلس] رغْم ما كان يصيبني من مللٍ أثناء الـمُشاهدة لبُعْدِ المسلسل التّام عن حقائق التّاريخ المتعلّق بفتح الأندلس بسبب خوْضه في مشاهدَ مجّانية لا تُمِت بصلة للتّاريخ، فلم نعْرف كيف فتح العربُ الأندلس، وما هي الأسبابُ الحقيقيةُ التي حدَتْ بالعرب إلى هذا الفتح، وكيف كانت نهايةُ [طارق بن زياد] و[موسى بن نصير] عندما عادَا إلى [دمشق]، وقبْل المعركة مع القُوط الإسبان، ما هي الأحداثُ التي تَخلّلت هذه الفترة وهي مذكورةٌ في مراجع التاريخ، ولكنّ المسلسلَ دخلَ في المشاهد المجّانية والابتذال والميوعة ممّا جعله يبتعد عن مسلسل تاريخي يَنِمُّ عن حقائقَ تاريخية لا جدال فيها.. نحن نعْلم أنّ الأفلام التاريخية أو المسلسلات تتضمّنُ أخطاءً لا تُخطِئُها العيـنُ لـمَنْ كان على درايةٍ بالتّاريخ وحقائقِه الـمُؤكّدة، وأنّ فيها زياداتٍ وأكاذيبَ لا يمكن إنكارُها؛ فمثلاً فيلم [صلاح الدّين الأيّوبي] الذي مثّل فيه [أحمد مَظْهر] البطولةَ تخلّلتْه أخطاء، ونُسِبت لِصلاح الدّين الأيّوبي أعمال لم يَقْدِمْ عليها إطلاقًا؛ وكذلك الشّأنُ بخصوص [معركة القادسية] الذي مثل فيه [عزَّت العلاَيْلي] دوْرَ [سَعْد بن أبي وقّاص]، وفي هذا الفيلم، يروعُكَ خطأٌ فادح، وكذبٌ صارخ عندما تسمع وترى الفارسَ الوهْمي [القَعْقاع بن عَمْرو] فيقول [عزّت العلايلي] أي [سَعْد بن أبي وقّاص]: لقد صدق رسولُ الله، لا يُهْزَم جيشٌ فيه (القَعْقاع)، فيما المؤرّخون يؤكّدون أنّ [القَعْقاع] لم يوجدْ قطّ، ولم يولَدْ بعْد، بل هي من افتراءات [سَيْف بن عَمْرو التّميمي] الكذّاب..
كانت بلادُ الأندلس تعاني من الظّلم، والطّغيان، وارتباك الأوضاع السّياسية، والاجتماعية، والاقتصادية؛ فاستنجد أهلُها بالعرب لإنقاذهم وتحريرهم، وبعْد موافقة الخليفة [الوليد بن عبد الملك]، قام القائدان المسلمان [موسى بن نصير] والمغربي الأمازيغي [طارق بن زياد] بقيادة الجيش العربي والعبور إلى [الأندلس]؛ فعَبر أوّلاً القائدُ [طارق بن زياد] بسُفنِه الحربية، وألحَق هزيمةً نكراء بجيش الإسبان، وقُتِل ملكهُم [لُذْريق]، وقبل المعركة، رأى [لوذْريق] في منامِه أن قوْمه يدُقّون الطّبول، فسأَل قساوِستَه، فقالوا له: أبْشِر أيُّها الملك، فذلك يعني النّصر؛ لكنّ [لوذْريق] لم يَقْتنِع بتفسيرهم لرؤياه، فطلب أن يأتيه فقيهٌ من أتباع [محمّد] صلى الله عليه وسلم، وأمّنَه على نفسِه، فلـمّا روى له مضمونَ رؤياه، وطلب منه تفسير الضّرب على الطّبول، قال له الفقيهُ المسلمُ إنّ ذلك يعني هزيمتَه النّكراء، فسأله [لوذْريق]: كيف عرفتَ ذلك؟ فأجابه الفقيه المسلمُ بأنّ القرآنَ الكريم يقول: [إذا نُقِرَ في النّاقُور، فذلك يومٌ عسير على الكافرين غيْرُ يسير]، والنّاقور معناه الطّبل، فهُزِمَ [لوذْريق] في يوم عسير، وقتله [طارقُ بن زياد]..
يقول [هيغل] إنّ التاريخ مأساويٌ في جوهره، وقد عانى [طارقُ بن زياد] من مأساةٍ لا يُنكرُها التاريخُ حيث قضى وهو منبوذ دون مساعدةٍ في شوارع [دِمشق] بصحبة [موسى بن نُصيْر] لأنّ [سليمان بن عبد الملك] صفَّى حسابه معهما، كما صفّاه مع [قُتَيْبَة بن مُسْلِم]، ولكنْ لماذا صفّى حسابه معهما؟ السّببُ هو أنّهما تعجَّلا الذهابَ إلى الخليفة [الوليد] قُبيْل وفاتِه ومعهما الأموالُ والغنائم، ولم يصْغيا إلى طَلبِ [سُليمان] الذي أرادَ التّريُّثَ حتى يموت [الوليد]، وتَؤُولُ إليه غنائمُ [الأندلس] فاقْتصَّ منهما [سُليمانُ]، وهكذا ظُلِمَ [طارق بن زياد] من طرف [سُليْمان] الخليفة، كما ظُلِمَ من طرف [العَنيزي] مخرج المسلسل..
لكنْ لماذا تأخذُنا العِزَّةُ وتعترينا الحَسْرةُ من هذا المسلسل؟ فالأموالُ أموالُهم، والممثلون ممثّلوهم، والمؤرّخون مؤرّخوهم، وكتبةُ السّيناريو كتبتهُم، فلو كان لنا رجالُ أعمال وطنيون ومغاربة صادقون، ولو كانت لنا تلفزة تهتمّ بتاريخنا المجيد، لقامت بإنجاز مسلسل مغربي ضخم لهذا القائد الفذّ، ولما بُذِّرتْ أموالٌ طائلة في التّفاهات وفي المسلسلات الهابطة ولأُنفِقَت في إنجاز مسلسل مغربي صِرْف بعْد استشارة مؤرّخين مغاربة، وكتّاب سيناريو مغاربة، ولَدُعِيَ إليه ممثّلون أكفاء، ولكنّ الأموالَ تُنفقُ على التّفاهات؛ فأصحاب مسلسل [فتْح الأندلس] أنجزُوا مسلسلاً على هواهُم، وبمزاجهم، ولكن ماذا فعلنا نحن بلد [طارق بن زياد]؟ الملايير تُصْرف على المهرّجين، والضاحكين على ذُقوننا، والمتحكّمين بجهلهم في تلفزتنا، فلا حقّ لنا في الاستياء، فهذا واقعُنا ونحن ضحاياه..