محمد عفري
الأحداث الدامية التي تسبب فيها جمهور الوداد في شوارع وجدة وأزقتها، قبل مباراة الفريق الأحمر ضد المولودية المحلية وبعدها، لا يمكنها أن تتوقف عند شغب الملاعب.
حينما تبث بالملموس، كما هو موثق بالصورة والصوت والمحضر، الاعتداء على الساكنة بواسطة الضرب والجرح بالسلاح الأبيض والرشق بالحجارة والتهديد والتعنيف بالإضافة إلى تخريب ممتلكات الغير وممتلكات الدولة والسرقة بكل أنواعها، فإن الأمر تعدى الشغب المرتبط بالكرة والملعب، الى الإجرام المقصود أي العمد. ما رد به الجمهور الوجدي وإن كان قليلا مقارنة ويدخل في إطار الدفاع عن النفس، فهو كذلك إجرام.
على امتداد عقد ونصف العقد، لم تكن هاته هي المرة الأولى التي يرتكب فيها جمهور الكرة هذه المجازر ولن تكون الأخيرة.
الأسبوع الماضي فقط، تكرر نفس الفعل الإجرامي في مدينة بركان بمناسبة مباراة فريق النهضة المحلية والوداد البيضاوي أيضا، حيث ضبطت الكاميرات جمهور الفريق البيضاوي يخرب ويسرق (محلات تجارية) ويضرب ويهدد بالسلاح الأبيض ويتوعد. نفس الجمهور تم ضبطه قبل قرابة شهرين بالدار البيضاء، بمناسبة مباراة بيترو اتليتيكو في منافسات كأس آفريقيا، على القرب من مركب محمد الخامس يأثي على النسل والزرع مواجها في مشهد دام ومرعب، بالحجارة والاسلحة البيضاء، رجال أمن عزل،
رغم ان الوداد كان منتصرا والمباراة جارية والإجرام كان ضد قوات النظام، فقط من اجل الدخول مجانا إلى الملعب لمشاهدة ما تبقى من المباراة..
للأسف انه تتعدد المرات وتتعاقب ونفس مشاهد الإجرام تتكرر، ونصر على إقحامها عنوة في خانة الشغب رغم انها إجرام.
بما أن هذا الشغب- الإجرام ليس له لون أو هوية أو جنسية، فقد تبادل قبل شهر ونصف، جمهور الرجاء مع الجمهور الخريبكي لمناسبة مباراة فريقه ضد واد زم بمدينة خريبكة، إجراما ما بعده إجرام، إلى درجة إضرام النار في محصول زراعي. وكان قبلها تبادل نفس الإجرام في مباريات أخرى داخل وخارج البيضاء أهمها مباريات الديربي الذي يشكل منصة لتطاحن الجمهورين وتخريب الممتلكات وخسائر أخرى. فعلها جمهور الجيش كم مرة بالرباط كما بالبيضاء وعلى حافة الطريق السيّار بالقرب من تمارة وجمهور خريبكة واكادير وطنجة..
لتشخيص الظاهرة لا بد من الإقرار بأن فئة كبيرة من المشاغبين/ المجرمين قاصرون مهدرون للدراسة وبلا تكوين مهني، نفس الشيء بالنسبة لغالبية البالغين منهم، حيث لا مستوى تعليمي أو مهني وبالتالي لا اندماج اجتماعي يذكر. الأكثر من ذلك ان منهم من ذوي السوابق ومنهم من محترفي الإجرام المتنوع، أقله الإدمان على المخدرات، كل هؤلاء اندسوا ضمن هذا الجمهور الذي يحمل عبثا صفة جمهور رياضي.
ما من شك ان الجمهور الرياضي وجمهور الكرة بالضبط مخترق، وعليه فإن الدور كبير على “الالتراس” في التأطير والحماية من هذا الاختراق.
الإلتراس التي أصبحت مبدعة في المدرجات بأهازيجها وعروضها الكاليغرافية ( التيفوهات) تشد أنظار العالم أكثر مما يشدها اللاعبون على المستطيل الأخضر، مطالبة بالمساهمة في وقف النزيف بمنع القاصرين وتجنب الجانحين في عضوية الانتماء إليها. إيمانا بأن مباريات الكرة بمثابة عرض فني يستوجب الوعي والانضباط من أجل التمتع بلوحاته، فإن الفرجة لابد وان تنتهي بصافرة النهاية وتقبل النتيجة مهما كانت لأن العرض هو الأهم. للأسف انه مع غياب تلقين تربية فنية في المدارس والمعاهد غابت ثقافة الفرجة و التمتع بالعروض كيفما كانت رياضية أو مسرحية أو سينمائية، غابت بالضبط لدى الالتراس التي فرضت وجودها بكل الأشكال. حب الفريق الذي هو من الشغف بكرة القدم، كرياضة للأسف كذلك، أصبح مدعاة إلى الإجرام وتحول إلى تعصب وجنون وإعدام للروح الرياضية.
إلى جانب الألتراس كلنا مسؤولون عن “إجرام” الكرة في الملاعب وخارجها، سلطات وإعلام ومسيرون وحكام ولجان برمجة وتأديب وتحكيم في جامعة الكرة. سلوكات مسير خارجة عن روح التنافس الشريف أو مقال أو تعليق صحفي منحاز أو قرار تحكيمي خاطئ وغير محايد أو برمجة مرتجلة أو حُكم جائر أو متستر من لجنة الأخلاقيات كلها دوافع حقيقية إلى الشغب وإلى الإجرام في الأخير.
من غير المنطقي أن تتحول كرة القدم، كرياضة، من مجال للأخلاق والتسامح والروح الرياضية إلى مرتع للفوضى والتخريب و العنف، وهي في الأول و الأخير مجرد مباريات تقتبل نتائجها الفوز والخسارة والتعادل.. لماذا كل هذا الإجرام؟
