عندما نتأمل في التاريخ، تنبثق من الأعماق سيول الذكريات والأحداث التي تظل عالقة في الأذهان، مشاهد ولحظات طبعت مراحل زمنية مختلفة.
وفي عالم الرياضة المغربية، تبقى بعض اللحظات مميزة، تحمل طابعًا خاصًا لا يُنسى، وفي شهر رمضان، تأتي سلسلة “رحلة رياضية رمضانية ” لتأخذنا في رحلة عبر تاريخ الرياضة المغربية والعالمية، لتنعشنا بذكريات الفرجة والإثارة التي لا تزال حاضرة في قلوبنا.
في التاسع من أكتوبر 2005، وبينما كانت الجماهير المغربية تترقب عودة منتخبها الوطني إلى نهائيات كأس العالم بعد غياب عن نسخة 2002، تحوّل ملعب رادس في تونس إلى مسرح لإحدى أكثر اللحظات الكروية قسوة في تاريخ الكرة المغربية. كان الصراع بين أسود الأطلس ونسور قرطاج في الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2006، حيث دخل المنتخب المغربي اللقاء تحت قيادة المدرب الوطني بادو الزاكي واضعًا نصب عينيه هدفًا واحدًا: الانتصار، إذ لم يكن التعادل كافيًا لحجز بطاقة العبور إلى مونديال ألمانيا.
البداية القوية وبصيص الأمل
لم تمضِ سوى دقيقتين حتى بعث مروان الشماخ الأمل في نفوس المغاربة بعدما افتتح التسجيل مبكرًا في شباك الحارس علي بومنيجيل، لتشتعل المواجهة في أجواء حماسية تذكر الجميع بنهائي كأس إفريقيا 2004، حيث كان المغرب قد خسر أمام نفس المنافس. لكن سرعان ما تلقت الجماهير صدمة أولى، بعدما تسبب المدافع طلال القرقوري في ركلة جزاء، نجح البرازيلي المُجنّس فرانسيلودو كلايتون في تحويلها لهدف التعادل لصالح تونس.
رغم هذه النكسة، لم يستسلم المنتخب المغربي، وبفضل ردة فعل قوية، عاد القرقوري نفسه ليعوض خطأه بهدف رائع في الشوط الأول، ليعيد المغرب إلى المقدمة ويجعل الجماهير تحلم بتكرار إنجاز مونديال 1998. انتهت الجولة الأولى بتفوق الأسود، ما جعلهم يتصدرون ترتيب المجموعة مؤقتًا.
انهيار الحلم في الشوط الثاني
لكن القلق كان يسيطر على المغاربة، خاصة أن الفريق دخل المباراة وهو يعاني من أجواء متوترة، بعد إعلان القائد نور الدين النيبت اعتزاله اللعب دوليًا إثر خلاف مع بادو الزاكي، إلى جانب مغادرة مساعد المدرب عبد الغني بناصيري الطاقم التقني، مما أثر على استقرار الفريق. ومع انطلاق الشوط الثاني، بدا أن النسور التونسية تزداد شراسة في سعيها لإدراك التعادل، بينما بدأ المنتخب المغربي في التراجع وسط أخطاء دفاعية متكررة.
وجاءت اللحظة التي أطفأت شموع الأمل، حين ارتكب الحارس نادر المياغري خطأً مشتركًا مع الدفاع، ليستغل المنتخب التونسي الفرصة ويسجل هدف التعادل قبل 20 دقيقة من النهاية. في تلك اللحظة، بدا أن الأسود فقدوا بوصلة المباراة، إذ لم يتمكنوا من خلق فرص حقيقية لاستعادة التقدم، بينما حافظت تونس على التعادل الذي كان كافيًا لها لحسم التأهل إلى كأس العالم.
صدمة وحسرة لا تُنسى
مع إطلاق صافرة النهاية، خيّم الحزن على الجماهير المغربية التي كانت تتابع المباراة بشغف وأمل، لكن الحلم تلاشى في لحظات قليلة، ليجد المنتخب المغربي نفسه خارج المونديال للمرة الثانية على التوالي. رغم أن الأسود لم يتعرضوا لأي هزيمة في التصفيات، إلا أن التعادلات المتكررة، وخاصة في المباراة الحاسمة، جعلتهم يدفعون الثمن غاليًا، بينما خطف المنتخب التونسي بطاقة التأهل الثالثة في تاريخه آنذاك.
ظلّت هذه الليلة راسخة في ذاكرة المغاربة، ليس فقط لأنها حرمتهم من رؤية منتخبهم في المونديال، ولكن لأنها حملت معها الكثير من الأسف، خاصة أن الطريق إلى ألمانيا كان يبدو قريبًا جدًا، قبل أن يضيع بين أقدام القرقوري وخطأ دفاعي قاتل في ملعب رادس.