عندما نتأمل في التاريخ، تنبثق من الأعماق سيول الذكريات والأحداث التي تظل عالقة في الأذهان، مشاهد ولحظات طبعت مراحل زمنية مختلفة.
وفي عالم الرياضة المغربية، تبقى بعض اللحظات مميزة، تحمل طابعًا خاصًا لا يُنسى، وفي شهر رمضان، تأتي سلسلة “رحلة رياضية رمضانية ” لتأخذنا في رحلة عبر تاريخ الرياضة المغربية والعالمية، لتنعشنا بذكريات الفرجة والإثارة التي لا تزال حاضرة في قلوبنا.
في الرابع عشر من يوليوز سنة 2001، حل المنتخب المغربي بالعاصمة السنغالية داكار لخوض واحدة من أهم مبارياته في تصفيات كأس العالم 2002. كانت المواجهة أمام منتخب السنغال مصيرية، حيث كان أسود الأطلس بحاجة إلى نقطة واحدة فقط لضمان التأهل إلى مونديال كوريا الجنوبية واليابان، بعدما تصدروا مجموعتهم بفارق ثلاث نقاط عن منافسهم المباشر قبل هذه المباراة الحاسمة.
دخل المنتخب المغربي اللقاء بتشكيلة قوية، ضمت أسماء بارزة كانت قد شاركت في كأس العالم 1998 بفرنسا، على رأسها مصطفى حجي، صلاح الدين بصير، يوسف شيبو، نور الدين النيبت، الحداوي، وكاماتشو، ما جعل الجماهير المغربية متفائلة بقدرة فريقها على العودة بنتيجة إيجابية من قلب داكار، خاصة أن نقطة التعادل كانت تكفي لضمان بطاقة العبور.
بدأت المباراة وسط أجواء جماهيرية صاخبة، حيث امتلأت مدرجات الملعب بمشجعي “أسود التيرانغا” الذين كانوا يمنّون النفس بكتابة صفحة جديدة في تاريخ كرة القدم السنغالية. وعلى الرغم من الضغط الكبير، حاول المنتخب المغربي الحفاظ على توازنه في الدقائق الأولى، إلا أن قوة أصحاب الأرض سرعان ما فرضت نفسها.
عند الدقيقة 17، سقطت الصدمة على المغاربة حين تمكن الحاجي ضيوف، نجم الكرة السنغالية آنذاك، من هز شباك المنتخب المغربي بهدف منح به التقدم لفريقه، ليشعل حماس الجماهير التي أصبحت أكثر اندفاعًا في دعم فريقها لتحقيق الإنجاز التاريخي. حاول أسود الأطلس العودة في النتيجة، لكن صلابة دفاع السنغال وتألق حارس مرماهم، بالإضافة إلى الضغط النفسي الكبير الذي فرضه الجمهور السنغالي، جعلت الأمور أكثر تعقيدًا.
مرت الدقائق ولم يتمكن المغاربة من تعديل النتيجة، فيما استغل لاعبو السنغال اندفاع المنتخب المغربي لفرض سيطرتهم على مجريات اللقاء. انتهت المباراة بفوز السنغال بهدف نظيف، لتتساوى الكفة بين المنتخبين في صدارة المجموعة بنفس عدد النقاط. إلا أن السنغال تفوقت بفارق الأهداف وبفضل النسبة الخاصة، ما منحها بطاقة التأهل إلى كأس العالم لأول مرة في تاريخها، فيما غادر المنتخب المغربي التصفيات بحسرة شديدة بعدما كان قريبًا من تحقيق التأهل للمرة الثالثة تواليًا.
شهد مونديال 2002 تألقًا مذهلًا للمنتخب السنغالي، حيث تمكن من إسقاط حامل اللقب فرنسا في المباراة الافتتاحية، ثم مواصلة مغامرته الناجحة حتى بلوغ ربع النهائي، ليصبح بذلك واحدًا من أبرز مفاجآت البطولة. أما في المغرب، فقد كان الخروج من التصفيات ضربة موجعة للكرة الوطنية، خاصة أن الجيل الذي خاض تلك التصفيات كان يضم لاعبين من الطراز الرفيع، وكان يطمح لمواصلة المسيرة في أكبر المحافل الكروية.
هكذا، طُويت صفحة مؤلمة في تاريخ المنتخب المغربي، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، لكن ذكرى ذلك السقوط في داكار ظلت حاضرة في أذهان الجماهير المغربية لسنوات طويلة، كواحدة من أكثر اللحظات إحباطًا في تاريخ الكرة المغربية.