ذات صباح ككل صباح، جلستُ في مقهاي المعتاد، أطلب “قهوة إطاليانو او طاليان”، تمامًا كما أفعل منذ سنوات، وكأنها طقسي المقدّس للدخول في مجاز الحياة.
لكن النادل، بابتسامة فيها شيء من الحرج، قال لي: “12 درهم، من فضلك”. رمقته بدهشة: “ماذا؟ اثنى عشرة؟ أليست هذه مجرد قهوة، لا استشارة مالية؟”.
هكذا بدأت الحكاية. قهوة الصباح لم تعد كما كانت. ليست فقط في النكهة، بل في السعر، وفي ما أصبحت تُمثله من عبء صغير لكنه عنيد على جيوبنا المُثقَلة أصلًا.
زيادة درهمين أو ثلاثة قد تبدو للبعض تفصيلاً عابرًا، لكن في بلد يُقاس فيه نبض الشارع من عدد الكراسي المشغولة في المقهى، الأمر ليس بتلك البساطة.
يقول رئيس جمعية أرباب المقاهي إن البن أصبح يُباع بأضعاف سعره، وأن موجات التضخم تضرب كل شيء، من البرازيل حتى الزليج المغربي تحت أقدامنا. تغير المناخ، وضرائب الدولة، وذكريات إدارة ترامب التي لا تزال تطاردنا من وراء الأطلسي… كلها اجتمعت لتجعل من فنجان القهوة رفاهية موسمية.
لكن دعونا نكن واقعيين: هل القهوة أغلى فعلًا بسبب البن؟ أم أننا ندفع ثمن “اللا قهوة”؟ ثمن الواي فاي المجاني، المقعد المريح، شاشة التلفاز التي لا أحد يُشاهدها، والموسيقى المزعجة التي لا أحد يطلبها؟ ربما ما ندفعه ليس ثمن القهوة، بل ثمن مساحة من الوهم، نقنع أنفسنا فيها أننا نمتلك وقتًا لا نملكه، وحياة أكثر ترتيبًا مما هي عليه.
ولعلّ المثير في كل هذا أن المقاهي، رغم الزيادات، لا تفرغ من زبائنها. نحن شعب يشرب القهوة رغم الغلاء، ويشتكي منها وهو يطلب فنجانًا ثانيًا.
نحتجّ على الأسعار، ثم نحجز طاولة نطلّ منها على المارة ونتابع الحياة من وراء زجاج نظيف وفنجان مرّ.
في النهاية، القهوة لم تعد فقط مشروبًا… بل مقياسًا. حين ترتفع أسعارها، نعرف أن شيئًا ما ليس على ما يرام. وربما، حين يصبح فنجان القهوة أغلى من راحة البال، فقد حان الوقت لنسأل أنفسنا: هل نحن بحاجة إلى قهوة… أم إلى يقظة؟