محمد فارس
خصّصتْ قناةٌ ناطقة بالعربية في [فرنسا] حوارًا عنوانُه: [نابليون شخصية جدالية]، واستضافت (طبّالة) عَربًا أثنوا كلُّهم على [نابليون بونابارت] الذي يسمّيه الكاتب الرّوسي الشهير، صاحبُ كتاب [الحرب والسّلام]، وأعني به [تولستوي]، يسمّي هذا الطّاغية: (عدوّ الجنس البشري)؛ المجلّد الأوّل، صفحة: (736).. لقد أثنى عليه (الطّبالة) العرب، وأجادوا في مدحِه، وقالوا إنّه كان كثير الاحترام للإسلام، وشديد التّقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل ذَبْحِه ذَبْحَ الشاة للمسلمين على الشّواطئ المصرية عند غزوه لأرض [مصر]، وسرقتِه لِلتُّحف واستغلاله لثروات البلاد، فاجتمع في [عكّا] باليهود، ووعدَهُم بإقامة دولة لهم في [فلسطين]، ثم نادى يهودَ العالم ليأتوا إلى [فلسطين] ويعضِّدوه من أجل أن تكون لهم دولةٌ في قلب الأمّة العربية؛ لكن من هو [نابليون] هذا؟
ولد هذا المجرم المتطرفُ بمدينة [أجاكْسيو] في جزيرة [كورسيكا]، وكانت [فرنسا] قدِ استولتْ عليها قبْل ولادته بخمسة عشر شهرًا، وكان [نابليون] في سنواته الأولى وطنيًا متطرّفًا، وكان يرى أنّ الفرنسيين قد احتلّوا بلادَه، لكنّ أهله أرسلوه ليُكمِلَ تعليمَه في الأكاديميات العسكرية في [فرنسا]، وعندما تخرّج في السّادسة عشرة من عمره سنة (1785) كان برتبة الـمُلازم الثّاني في الجيش الفرنسي.. جاءت فرصتُه سنة (1793) عندما حاصر الفرنسيون مدينة (تولون) واستردّوها من الإنجليز، وكان هذا الطاغيةُ، مجنونَ العظمة، ومستبدّ زمانه، قائدًا للمدفعية، فعدَل عن نَزعاتِه الوطنية وأصبح فرنسيًا مخلصًا.. رُقّي [نابليون] إلى رتبة أعلى، وفي سنة (1798) قام بحملته على [مصر]، وكانت هذه الحملة كارثة، فأحرقَ البريطاني [نيلسون] الأسطولَ الفرنسي في البحر الأبيض المتوسّط.. وفي سنة (1804) نصّب نفسَه إمبراطورًا على [فرنسا]، كما جعلَ من إخوتِه ملوكًا على عروش دُول أوروبّية، حيث عيّـنَ أخاهُ [جوزيف] ملكًا على (نابولي)، و[لويس] ملكًا على (هولاندا)، و[جيروم] ملكًا على [وسْتفاليا]، وهذا يشبه ما فعله [ناثان روتشيلد] بحيث جعل من إخوتِه الأربعة ملوكَ المال في [أوروبّا]، وصاروا هم السّلطة الخفية في [فرنسا] تحديدًا..
كان [نابليون] ناكثًا للوُعود، قليل الالتزام بالـمُعاهدات، فلم يلتزم بمعاهدته مع [بريطانيا]، وحان وعْدَه للقيصر [أليكسانْدَر]، فدخل بجيشه إلى [روسيا] سنة (1812) ومن ثَمة بدأت نهايتُه، فصرّح [أليكساندر] قائلاًِ: [نابليون أو أنا، لا يمكننا بعد الآن أن نملكَ معًا؛ لقد تعلّمتُ كيف أعرفُه، ولن يخدعني بعد الآن.].. دُمِّرَ جيشُه في [روسيا] وتحوَّل إلى جماعة من اللّصوص، والنّهابين، حلّ كلٌّ منهم في عربة أو على ظهره طائفة من الأشياء اعتبر أنّها ثمينة لا غنًى له عنها ثم جاءت مأْساةُ نهر [بِريزينا]؛ شُيّدَ جسرٌ لعبور الجيش النّابوليوني النّهاب، فعَبر ثُلثُ اللّصوص؛ فجأةً شاهدَ [نابليون] مُقاتلي القوقازيين يَقتربون، فأمر الجنيرال [مورَا] بنسْف الجسر، فعزّ على الجنيرال فعْلُ ذلك، فنهرَه [نابليون] وهدّدَه بالإعدام، فنسَف الجسر، ومات جنود، وخدم، وحشَم، وطبّاخون، ونساء، وأطفال، وخيول، وغَرق منهم الكثيرون، واستسلمَ كثيرون، ولقد ارتدى [نابليون] فراءَه، واستقلّ زحّافتَه، ثم فرّ أقصى سرعة ترهقهُ ذِلّة، تاركًا رفاقَه ليعودَ إلى منزله تاركًا ضحاياه لمصيرهم المحتوم، ومع ذلك يصفه (الطّبالون) بالعظمة؛ فليس هناك عظمة خارج إطار التّواضع، والخير، والعدالة كما يقول [تولستوي]..
لقد ظهرت عظمتُه عندما نُفيَ إلى جزيرة [إلْبا]؛ ثم عاد، فهزمه [وِلّينْتُون] في معركة [واتِرْلُو]، فنفاه الإنجليزُ إلى جزيرة [هِيلينَا] في المحيط الأطلسي، وبذلك دُمِّرت إمبراطورية [نابليون] الأولى، وهذا الطاغية كان مصابًا بالغُرور، وبجنون العظمة، وكان يعتبِر الدّيـنَ وسيلةً وليس أخلاقًا وتعاليمَ ربّانية.. وفي سنة (1870) دمَّرت [بروسيا] جيش [نابليون] الثالث، وهو ابن أخ [نابليون]، وحُوصرت [باريس]، ودمَّر [بيسمارك] الإمبراطورية النّابليونية الثّانية، وعاشتْ [باريس] مجاعةً حتى لإنَّ سكّانها كانوا يصطادون الفئرانَ لشَيِّها وأكْلِها، هذا ما يقوله مؤرّخوهُم، وبقيت [فرنسا] تحلمُ بالعهد الإمبراطوري، فصارت تعوّض ذلكَ باستعمارِها لشعوبٍ فقيرة في [إفريقيا]، وجنوب شرق [آسيا]، ومع ذلك، طُردَت شرَّ طردة من هذه البُلدان التي حكَمت عليها بالفقر، والجهل بواسطة أنظمة ديكتاتورية وعسكرية تعملُ لحساب [فرنسا] المهزومة.. فعَن أيّ [نابليون] تتّحدثون يا (طبّالة) [فرنسا]؟ كيف تصوِّرون لنا فرارَ [نابليون] العظيم؟ كيف تعتبرون هذه النّذالة بأنّها من بوادِر العظمة والعبقرية؟ فهذا الطاغية مستبدّ، وقاتل، وهذه البشاعة لا يمكنها أن تستحيلَ إلى عظمة مهْما فعلتم..