كشف تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات أن المغرب يواجه أزمة بيئية متزايدة، تتجلى بشكل رئيسي في ندرة المياه، التي تفاقمت بفعل تغير المناخ والاستغلال المفرط للموارد المائية. وأوضح التقرير أن المناطق التي تعتمد على أنظمة الري التقليدية، مثل الخطارات، تواجه انخفاضًا حادًا في إمدادات المياه، مما يهدد الأمن الغذائي وسبل عيش السكان، خاصة في المناطق الريفية.
وأشار التقرير إلى أن التغيرات المناخية أدت إلى فترات جفاف أكثر تواترًا وشدة، وارتفاع درجات الحرارة، واضطراب أنماط الطقس، مما زاد الضغط على الموارد المائية، وجعل المناطق الجبلية والواحات أكثر عرضة للتصحر والتدهور البيئي.
تدهور الأراضي والتلوث: مخاطر متزايدة
إلى جانب أزمة المياه، حذّر التقرير من أن تدهور الأراضي يشكل تهديدًا إضافيًا، بسبب الممارسات الزراعية غير المستدامة والرعي الجائر، مما يُسرّع وتيرة تآكل التربة وفقدان الغطاء النباتي. كما أشار إلى أن تلوث المياه وسوء إدارة النفايات يمثلان تحديًا بيئيًا خطيرًا، خاصة في المناطق الحضرية، حيث يؤثران على صحة السكان والبيئة.
وأوضح التقرير أن هذه التحديات تعكس اختلالات في الحوكمة البيئية، مشيرًا إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة تواجه صعوبات في التنفيذ بسبب ضعف التنسيق بين الوكالات الحكومية وعدم إشراك أصحاب المصلحة المحليين، مما يضعف فعالية السياسات البيئية الوطنية.
السياسات البيئية وغياب الشفافية
أبرز التقرير أن المركزية في اتخاذ القرار تحدّ من قدرة المجالس البلدية على تنفيذ حلول بيئية محلية تتناسب مع احتياجاتها، مما يخلق فجوة بين السياسات الوطنية والواقع الميداني. واستشهد التقرير بـ القانون 36-15 المتعلق بخصخصة إدارة المياه، الذي أثار جدلًا واسعًا بسبب تأثيره على الحقوق المائية التاريخية، لا سيما في مناطق مثل فجيج، حيث يُخشى أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات البيئية والتوترات الاجتماعية.
كما لفت التقرير إلى أن غياب منصة مركزية للبيانات البيئية يمثل عقبة رئيسية أمام الحوكمة البيئية، حيث يواجه النشطاء ومنظمات المجتمع المدني صعوبة في الوصول إلى المعلومات، مما يحدّ من قدرتهم على المساءلة والضغط لصياغة سياسات بيئية أكثر شفافية واستدامة.
دور المجتمع المدني والتعاون الدولي
رغم هذه التحديات، شدد التقرير على الدور المحوري الذي يلعبه المجتمع المدني في مواجهة الأزمات البيئية، من خلال حملات التوعية والمناصرة. لكنه أشار إلى أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص الموارد والدعم.
وفي هذا السياق، أكد التقرير على أهمية تعزيز التعاون الدولي، مشيرًا إلى أن الشراكات مع المنظمات الدولية يمكن أن تساعد في تعزيز القدرات المحلية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية.
توصيات لتعزيز الاستدامة البيئية في المغرب
في ختام التقرير، أوصى المعهد المغربي لتحليل السياسات بضرورة:
✅ تعزيز اللامركزية في صنع القرار البيئي، وإعطاء المجالس البلدية مزيدًا من الصلاحيات في إدارة الموارد البيئية المحلية.
✅ زيادة الشفافية في إدارة الموارد الطبيعية، من خلال إنشاء منصة وطنية للبيانات البيئية تكون متاحة للجمهور.
✅ تشجيع الممارسات الزراعية المستدامة، للحدّ من تدهور الأراضي والتصحر.
✅ تحسين إدارة النفايات، خاصة في المناطق الحضرية، للحدّ من التلوث البيئي.
✅ تمكين المجتمع المدني من خلال تقديم دعم مالي وتقني لمنظماته، لضمان استمرارية جهودها في التوعية وحماية الموارد الطبيعية.
ويؤكد التقرير أن المغرب بحاجة إلى إصلاحات هيكلية عاجلة في سياساته البيئية، من أجل ضمان الأمن المائي ومكافحة التصحر والتلوث. كما يشدد على أن الاستجابة لهذه التحديات تتطلب نهجًا شاملاً يشمل الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، لضمان بناء نظام بيئي أكثر استدامة وقدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.