سناء البوعزاوي
لا بد أن الشغل الشاغل لكل أسرة هي تنشئة أطفالها على أحسن وجه ، والطفل الذي يترعرع في كنف عائلة محترمة لأفرادها يكون لا محالة طفل سوي الأفكار و سليم العقل ، غير أنه لا محادة عن موجات غضب للأزواج بين الفينة و الأخرى تكهرب جو المنزل فتتهاطل الكلمات و الصراخ الذي يرعب مما ليس فيه مجالا للشك نفسية الصغير الذي يكون في هذا السن كالإسفنجة التي تلتقط وتمتص كل شيء يدور حوله، و يخزن كل صور فيعقله الباطني ، وبالتالي يبدأ قلبه بالخفقان بسرعة تكاد توقف أنفاسه، فيصبح مع توالي مثل هاته الأحداث ، طفلا ضعيف الشخصية ، مكتئبا أو عنيفا في بعض الأحيان ، يكره منذ نعومة أظافره مؤسسة الزواج ، فيفقد القوة و القدرة ، ويختلط لديه الحابل بالنابل ، و تنعدم لديه قدرة إقامة علاقات اجتماعية . لذا ارتأينا أنه من المهم جدا التطرق لهاته الظاهرة الإجتماعية و محاولة إعطاء الوسائل المساعدة على تخطي عواقب بناء طفل ذا شخصية معقدة التي ربما ستكون مدمرة في المستقبل .
السؤال المطروح ، إذا مررت أنا كفرد في مؤسسة الزواج بتعامل أو كلام أو تصرف يثير الإنفعال و يستشيط الغضب هل لمجرد أن لدي أطفال لا يجب أن أناقش أو أبدي رأيي أو أظهر أي ردة فعل ؟ بالطبع غير ممكن ! فالإنسان هو كتلة من المشاعر و الأحاسيس يعبر عن فرحه و غضبه و استيائه …. فما الحل إذن ؟
بادئ ذي بدء ، يجب تقبل فكرة أن الخلاف موجود داخل أي مؤسسة ، سواء أكانت مؤسسة زواج أو عمل ،… إلى غير ذلك ، هو أمر طبيعي ، نظرا لأن وجهات النظر تختلف حسب خلفيات الأشخاص على مستوى المعتقدات و المبادئ والتربية ، و هاته الخلطة هي ما يكون شخصية الفرد وطبعه ، فكما يقول المثل الشهير “الطبع يغلب التطبع “، بمعنى آخر كل شخص متفرد و منفرد في شخصيته ، ومن سابع المستحيلات أن يكون الزوج و الزوجة لهم نفس الشخصية أو نفس وجهات النظر أو نفس الأذواق ، لكن هاذا الإختلاف لا يفسد للود قضية ! بل على العكس ، هاذا ما يعطي الحياة حلاوتها و قيمتها . إذن فبعدما نتقبل هاته الفكرة، يجب أن نركز على ماذا نفعل وقت الخلاف وكيف نديره ، بدون اتهامات أو تجريح أو ألفاظ نابية ، وخصوصا دون إلقاء اللوم و الإتهامات على الطرف الثاني . كفكرة أساسية يجب وصف الفعل و عدم تشخيصه في أحد الأفراد و إيجاد حلول ترضي الطرفين فليس كل مرة تسلم “شعرة معاوية” فالنقاش الهادئ الذي يرضي الطرفين هو أهم ركيزة في إدارة الخلاف .
الخطوة التالية ، يجب وقت الخلاف الشديد تجنب كثرة الكلام الذي يرهق النفس و الروح و القلب ، فإذا بدأت بوادر الصلح ، فالأفضل أن ينتهي الأمر على الحوار الراقي و مراعات الألفاظ ، لأن أغلبية الكلام الذي يقال وقت الغضب تكون فيه نسبة كبيرة من الحقيقة ، التي يكون الفرد لا يتجرأ على قولها في الأيام العادية الهادئة ، فوقع الكلام و أثره شديد على النفوس أكثر من التصرفات ، و لا ينسى بسهولة ، فالغضب المبالغ فيه يمكن أن يجر على الفرد وابلا من المشاكل الذي سيتحمل مسؤوليتها لا محالة ، فالمرء الذكي يترك دائما بابا مفتوحا للعفو و الرجوع بعد العاصفة ! و المرء الأذكى ، يستعمل تقنية جد فعالة وقت المشكل ألا وهي “تقنية الإنسحاب ” لمدة 30 ثانية ، مفيدة جدا ونافعة فمهما يكون الكلام مستفزا على المرء السيطرة على أعصابه ، وهنا تكمن القوة، و تكون القدوة للأطفال، فيجب دائما استحضار قوله تعالى “والكاظمين الغيض والعافين عن الناس ” ، فالعفو يرفع صاحبه وهوسبب في عزة نفس الإنسان ، وليس كالمتداول أنه عندما أسمح فأنا أذل ! قطعا لا ، الذلة تكون في أشياء أخرى ليسموضوعنا اليوم ويمكن أن نتطرق إليها في مقال لاحق ، لكن العفو عند المقدرة هو خير دليل على قوتك ، وهو خير مثال تعطيه لفلذات أكبادك لتبين لهم أنك أنت أردت أن تعفو ، لأنك تحب بيتك و زوجك و أطفالك و أنت تريد دوام هذا الصرح المتين .
فعندما تتمرن على هاته النقطة سيتيسر لك الصمود إلى أن تدخل الأطفال غرفتهم ، إذا كان الموضوع يستدعي فعلا النقاش و توضيح الأمور ، و أنت تريد أن تفك هاته الأزمة الصغيرة لكي لا يترتب عنها أزمات أخرى إذا اجتمعت ، فخطأ فادح أن ترتكب جرم احتدام الخصام مع شريك حياتك أمام أطفالك ، فأنت لا تعرف مدى خوفهم و علعهم، و ضربات قلوبهم الصغيرة في تلك الأوقات العصيبة بالنسبة لهم ، هاته المشاحنات الزوجية التي غالبا ما تنسى مع عامل الزمن لكن بالنسبة للأطفال تبقى راسخة في أذهانهم ولربما ستعقد حياتهم وتؤثر عليها لا محالة وخصوصا إذا كان هناك تشابك بالأيادي ، فهاته هي الطامة الكبرى ! حيث يتولد عند الطفل إحساس قاتل بخطر محدق ، و يرعبه الإحساس الجامحبعدم الأمان. فقبل أن نفكر في الصحة البدنية للطفل ، يجب أن نفكر في صحته النفسية التي لا تقل أهمية عن الأخرى، فهي إكسير دراسته و تميزه في امتحاناته وتعاملاته مع أصدقائه ، فرجاء رفقا بالبراعم الصغار.
يجب على المرء أن يفكر كذلك في منطق أن الشجار داخل المنزل لا يؤثر فقط على علاقتك بزوجك أو زوجتك، بل يطال أيضا علاقتك مع أطفالك ، فعلى سبيل المثال عندما يقترب منك طفلك للتحدث معك، فمن الطبيعي أن يكون خطابك معه بانفعالية زائدة ، لأن النفوس لم تهدأ بعد ، هذه ردة فعل طبيعية جدا ، لكن الطفل لن يفهم هذا الأمر ، وسيظن أنه هو أيضا معني بالأمر ، بينما هو ليس له دخل تماما في هاته المشكلة ، وستخلق له بهاذا اضطرابا وتضاربا في الأفكار ، هو في غنى عنه .
وختاما للقول ، كيف نريد أن نربي أجيالا و شعوبا طيبة الأعراق ، ونركز على كمية الدروس و جودة المدرسة ، و نحن نعطي أسوء قدوة لفلذات أكبادنا ونتناسى الصحة النفسية ، التي عليها يبنى كل كيان ، و على البعض منا أن يتوقف عن اختلاق أعذار واهية و الإختباء وراء مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه” فمثلا هناك أزواج يصرحون بعدم تلقي تربية تسودها المودة و الإحترام و الأمان ، فهم بالتالي لا يمكن أن ينتجوا و يعطوا ذلك ! هذا خطأ فادح ، فجيلنا الحالي ليس كسابقه من الأجيال ، و زمننا غير الأزمنة التي ولت و رحلت ، حتى الأفراد الذين لا يستطيعون قراءة الكتب لأسباب عديدة منها الجهل ، فالتوعية ممكن أن تجد طريقك فقط بمراجعة أخصاء للتربية و التنمية الذاتية بنقرة أصبع على مواقع التواصل ، فتكتسب قدرات و مفاهيم و سلوكيات جديدة تنفعك ،وتنفع أطفالك ومجتمعك وتحولك من شخص عصبي ، لا يسيطر على غضبه حتى أمام أطفاله الأبرياء ، إلى شخص يضرب به المثل في الدنيا و الآخرة .