لا يوجد قانون مثالي، وكل القوانين تسعى لصيانة المجتمع والإجابة عن إشكالاته. تكون القوانين جيدة في زمان وتصبح قاصرة في زمان آخر. لهذا اختارت المجتمعات التجديد التشريعي لحل معضلات المجتمع التي تظهر خلال تنفيذ القوانين الموجودة. من بين القوانين الإشكالية في المغرب قانون الأحوال الشخصية، التي أصبح بعد سنة 2004 يسمى مدونة الأسرة، التي بعد 20 سنة من تنزيلها على أرض الواقع ظهرت عيوبها، واستجابة لمطالب تغييرها، أعلن جلالة الملك محمد السادس الشروع في تعديلها، وهو ما كان.
القاعدة التي انطلق منها الورش الجديد هي المقولة التاريخية لجلالته “لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”.
وهكذا تضمنت التعديلات حوالي 100 بند، 18 منها مرتبطة بالشريعة الإسلامية، أحالها أمير المؤمنين على نظر المجلس العلمي الأعلى.
هذا المجلس يتكون من علماء متخصصين في كل العلوم الدينية وغير الدينية. ليس بالضرورة أن تكون كل اجتهادات المجلس مرضية للجميع. والفتوى لا توضع لإرضاء الناس ولكن محاولة للتأكيد على مطابقة النص القانوني للشريعة.
لكل ذلك نرى أن بيان جماعة العدل حول التعديلات الأخيرة على المدونة لا محل لها من الإعراب لأنها جماعة لم تنتج فقهاء، وإذا قالت العكس فلتؤكد ذلك وتظهر لنا إنتاج أبنائها الفقهي بدل تلك الكتابات التي كلها انتحال من كتاب مشارقة، بما فيها كتابات مرشدها التي أغلبها منحول من الباكستاني أبو الأعلى المودودي والسوري سعيد حوى.
قالت في بيانها الملغوم “إن المرجعية التي ينبغي الاستناد إليها في مثل هذه القضايا هي القرآن الكريم والسنة المشرفة وغيرهما من مصادر التشريع المعتبرة، والاجتهاد بشروطه فيما لم يرد به نص، وليس الاعتماد على ما شذ من أقوال في الفقه؛ تغليبا لطرف على آخر أو استجابة لمسارات غريبة عن مجتمعنا وعوائده وأحواله وظروفه وثقافته، وذلك بالتأصيل لها وشرعنتها، بدعوى جلب مصالح ودرء مفاسد”.
ما هي معايير الاجتهاد؟ ما هي أسسه وقضاياه؟ هل الجماعة التي دأبت على نقل أفكارها بمكنتها تقديم اجتهادات تهم المغاربة؟
إمعانا في الالتباس طالبت باعتماد الاجتهاد على القرآن والسنة وغيرهما من مصادر التشريع المعتبرة. لم تحدد كيف يتم الاستناد إلى الكتاب والسنة؟ وإذا النص متوفرا فما الحاجة إلى الاجتهاد والمعروف كقاعدة أصولية “لا اجتهاد مع وجود النص”. الحالة الوحيدة التي يتم فيها الاجتهاد مع وجود النص هي استجلاء معنى خفي لم ينتبه إليه العلماء. ولم تحدد الجماعة المصادر المعتبرة وفي المجلس أصوليون بالمعنى الحقيقي للكلمة.
قالت الجماعة إن الاجتهادات المذكورة اعتمدت على أقوال شاذة. لم تذكر الجماعة قولا واحدا شاذا. وواقع الحال أن أغلب الاجتهادات ارتكزت على اجتهادات علماء المغرب القدماء المشهود لهم بقوة النظر، وكان المسلمون يقسمون الفقهاء إلى مدرستين، مدرسة بغداد ومدرسة فاس، ويعنون بها مدرة المغرب في الفقه، وبعض المسائل الفقهية نابعة من مبدأ اجتهادي يسمى حد الكد والسعاية.
ولم يجدوا من كل ما جاء به المجلس العلمي الأعلى من اجتهادات سوى إخراج بيت الزوجية من التركة. واعتبروه مخالفا للشرعة ولآية المواريث دون توضيح ذلك. وهذا اجتهاد مبني على قياسات منطقية. ففي الشرع لا تخرج المرأة من بيت الزوجية بعد وفاة الزوج إلا أن تعتد أو تلد. وتخرج إلى بيت والدها حماية لها. ما الذي سيحميها بعد التحولات التي عرفها المجتمع؟ هل ما زال بيت الوالد قائما كما كان؟
الجماعة بدل أن تقدم مقترحات للجنة المشرفة على التعديلات قبل تقديمها في شكل قانون سيوضح كل الأمور بما فيها معنى إخراج بيت الزوجية من التركة، اختارت أن تنخرط في الحملة الفيسبوكية للسخرية من التعديلات وطبيعي بالنسبة للعموم لكنه غير طبيعي لمن يدعي أنه طليعة الشعب والحريص على دينه وشريعته.