تشهد بورصة الدار البيضاء في السنوات الأخيرة حالة من الزخم غير المسبوق، حيث أصبح سوق الأسهم المغاربي في قلب الاهتمام المحلي والدولي. هذه البورصة التي تستقبل إدراجاً واحداً فقط في المتوسط سنوياً، سرعان ما تحول إلى نقطة جذب لأثرياء جدد، وسط قفزات غير متوقعة في القيم السوقية، وهو ما يضع السوق في مرتبة متقدمة على مستوى المنطقة.
النجاحات المتتالية التي حققتها الشركات المدرجة حديثاً على رأسها شركات في قطاع البناء والصحة، تؤكد على حيوية السوق المغربية وقدرتها على جذب الاستثمارات المحلية والدولية. وعلى رأس هذه الشركات تأتي “أكديطال” للصحة و”تي جي سي سي” للبناء، اللتان أصبحتا نماذج للمستثمرين الجدد، حيث نجحتا في الاستفادة من حركة قوية في أسعار الأسهم عقب الإدراج، مما ساعد في تأسيس ثروات ضخمة لعدد من المؤسسين.
من ملعب كرة القدم إلى ثروة ضخمة
تعود قصة “تي جي سي سي” للبناء إلى محمد بوزوبع، الذي بدأ مسيرته المهنية في عقده الثالث، حيث أسس شركته المتخصصة في البناء عام 1991، ونجح في الفوز بأكبر مشاريع الحكومة في القطاع. وفي عام 2021، شهدت الشركة إقبالاً كبيراً بعد إدراج أسهمها في البورصة، حيث ارتفعت القيمة السوقية لها بنحو 433%، ليصبح بوزوبع من كبار الأثرياء المغاربة بثروة تصل إلى 17 مليار درهم.
أما في قطاع الصحة، فقد نجح رشدي طالب، الطبيب المختص في التخدير، في تحويل شركته “أكديطال” إلى أكبر شبكة مستشفيات خاصة في المملكة. مع الارتفاع الكبير في سهم الشركة بنسبة 297% منذ الإدراج، أصبحت “أكديطال” مثالاً آخر على نجاح الشركات المغربية في جذب المستثمرين والمساهمة في بناء ثروات ضخمة، حيث تقدر ثروة طالب بنحو 1.9 مليار درهم.
بورصة المغرب في صعود مستمر
منذ بداية العام، شهد مؤشر “مازي” ارتفاعاً ملحوظاً، حيث سجل مكاسب تجاوزت 15%، مما يعكس استقرار السوق وزيادة الاهتمام من قبل المستثمرين المحليين والدوليين. ويرجع ذلك إلى الطروحات العامة الأولية التي تشهدها البورصة، والتي ساهمت في زيادة رأس المال السوقي للعديد من الشركات.
وتستعد المملكة المغربية لاستضافة كأس العالم 2030 بالتعاون مع إسبانيا والبرتغال، وهو ما يعزز التفاؤل بشأن الاقتصاد الوطني في المستقبل. في هذا السياق، تتواصل مشاريع ضخمة تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار، تشمل تحديث البنية التحتية من طرق وسكك حديدية ومطارات، إضافة إلى مشاريع تحلية المياه التي تعتبر أحد الحلول الكبرى لمواجهة تحديات الجفاف المستمر.
أرقام تتحدث عن نفسها
بينما يواجه الاقتصاد المغربي بعض التحديات جراء سنوات من الجفاف، إلا أن بورصة الدار البيضاء تثبت أنها نقطة ارتكاز قوية في تعزيز الثروات الخاصة من خلال الطروحات العامة الأولية الناجحة. وأشار فريد مزوار، المدير التنفيذي لمكتب التحليل المالي والبورصة “إف إل ماركتس”، إلى أن الزيادة الكبيرة في القيمة السوقية للشركات المدرجة تعكس الاستراتيجية التوسعية التي تعتمدها هذه الشركات، والتي تعزز من مكانتها في السوق المغربية والدولية على حد سواء.
ومن جانب آخر، تشير التوقعات الاقتصادية إلى نمو ملحوظ في قطاع السياحة وصادرات صناعة السيارات والطيران، ما يعكس تحسناً في الأنشطة غير الزراعية. ويساهم ذلك في دفع بورصة المغرب إلى آفاق جديدة، مع توقعات بنمو يصل إلى 4.6% هذا العام، وهو ما يعزز من ديناميكية السوق المحلية.
الاستدامة والتحديات المستقبلية
ورغم التفاؤل الكبير، يظل هناك تحدٍ يتمثل في الحاجة إلى زيادة عدد الإدراجات في البورصة لتوسيع قاعدة الشركات المدرجة، التي لا تزال محدودة مقارنةً بالأسواق الأخرى. وفي هذا الصدد، دعا فريد مزوار إلى ضرورة زيادة الطروحات العامة الأولية لتصل إلى خمس إدراجات سنوياً على الأقل للحفاظ على الزخم القوي الذي يشهده السوق حالياً.
بالمجمل، تبقى بورصة المغرب واحدة من الأنظمة المالية التي أثبتت قدرتها على التكيف مع التغيرات الاقتصادية، وفتح آفاق جديدة للثروة من خلال جذب الشركات والمستثمرين من مختلف القطاعات.