الحكومة في أصلها هي حكومة عموم المغاربة، الذين صوتوا والذين لم يصوتوا، والذين صوتوا للحزب الفائز بالرتبة الأولى والذين صوتوا لأحزاب أخرى وخصوصا خصومه، لكن عمليا هي تعكس أصوات الناخبين، وبالتالي لابد من وضع معيار لاختيار التحالف الحكومي بعيدا عن الشعارات، وبعيدا عن الإنشاء الذي لا معنى من قبيل حجة “خدمة الوطن”، لأنها حجة غير دقيقة فحتى المعارضة.
فالحزب السياسي ليس مخلوقا ليكون في الحكومة كما أنه ليس مخلوقا ليكون في المعارضة، ولكن يبحث عن موقعه الطبيعي وفق متغيرات الوقت والحال، فكل حزب يرى نفسه في موقع محدد، طبعا هنا الحديث عن الحزب، الذي لا تشرئب أعناق قادته للمناصب الوزارية، ولكن الحزب الذي يدرس بدقة ما أفرزته الخارطة الانتخابية ليحدد موقعه.
من معيار الأرقام فهناك ثلاثة أحزاب بوأها الناخب الرتب الأولى وهي وحدها قادرة على تشكيل أغلبية عددية كافية، هي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، من موقعنا نرى أن هذا التحالف دقيق للغاية، من حيث أنه قليل العدد يسهل عملية اقتسام الحقائب وفرز الوزراء.
منطقيا الناخب منح أصواتا كبيرة للأحزاب الثلاثة، وبالتالي الحكومة ينبغي أن تعكس أصوات الناخبين، وتبقى الأحزاب الأخرى في المعارضة وتمارس الرقابة الجدية على الحكومة، وإذا ما منحتها أصوات الناخبين المرة المقبلة تقود هي الحكومة وترجع هذه إلى المعارضة.
المعارضة غير مربحة لأنها لا تمنح مناصب يتم بها إسكات المقربين، وبالتالي لا يسعى إليها أحد، بينما هي شرف الدفاع عن الوطن وخدمته، وهي القادرة على مواجهة الحكومة، ولا ندري من سيكون في المعارضة إذا دخلت أغلب الأحزاب إلى الحكومة، وظهر في المغرب حزب يدعو إلى طرد حزب من الأغلبية الجديدة لأنها قال كلاما قاسيا في حق رئيس الحكومة المعين قبيل الانتخابات. رحم الله الزعماء السياسيين الذين كان همهم بناء الأداة التنظيمية القادرة على الدفاع عن المواطن.
فوجود الأحرار والبام والاستقلال في الحكومة نفسها قد يحقق نوعا من التوازن، حيث لا خلاف كبير بين الأول والثاني، كما أن الحزبين يعتبران جديدان، فرغم أن التجمع مر على تأسيسه حوالي 42 سنة فإنه مع عصمان كان يتبنى الوسطية الاجتماعية لكن بعد مرحلة مزوار وأساسا مع عزيز أخنوش أصبح ليبراليا، ناهيك عن أن قيادته أغلبها جديدة وهم من مسؤولي الشركات التي تنتمي للهولدينغ العائلي لأخنوش، لهذا يبقى حزب الاستقلال صمام أمان، باعتباره حزبا لا يميل كثيرا إلى الليبرالية ويؤمن بالتعادلية والوسطية ويميل إلى ما هو اجتماعي بمعنى سيكون بمثابة الفرامل التي تفتقدها قيادة سياسية حديثة العهد بالسياسة ودخلتها عن طريق المال والأعمال، فدخوله ربح للحكومة وربح للمغرب.
غير ذلك سنكون أمام حكومة جزاءات يشارك فيها من يرى أنه لعب دورا ما في التاريخ القريب جدا رفقة التجمع وهي مغالطة كبيرة لا تمنع من تغول الحزب الليبرالي ضدا في ما هو اجتماعي.