وصلت عمليات محاربة غسيل الأموال الى صناديق التقاعد، وخرج منشور حكومي بالجريدة الرسمية يؤكد توجه الدولة نحو صناديق التقاعد للبحث و التدقيق و رصد العمليات المالية المشبوهة، حيث اصدرت وزيرة الاقتصاد والمالية قرارا يقضي بالمصادقة على منشور لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي حول توسيع إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية الخاصة بمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتشمل صناديق التقاعد.
وأعطى القرار المنشور في الجريدة الرسمية ، للهيئة بالعمل على التزامات اليقظة والمراقبة الداخلية المفروضة على المؤسسات التي تدبر نظام تقاعد إجباري أو اختياري يعطي إمكانية الأداء الاستثنائي والحر للمساهمات،حيث سيخضع للمقتضيات الجديدة كل من الصندوق المغربي للتقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برسم تدبير نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء والصندوق المهني المغربي للتقاعد والصندوق الوطني للتقاعد والتأمين.
ويتعين على الصناديق أن تضع منظومة دائمة لليقظة والمراقبة الداخلية والرصد والمراقبة وتدبير المخاطر المرتبطة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بهدف تحديد وقياس هذه المخاطر والتحكم فيها ومراقبتها والتقليص منها بكيفية فعالة.
و تشير مقتضيات المنشور إلى أن هذه المنظومة يجب أن تتضمن سياسات وإجراءات ومساطر لقواعد قبول علاقة الأعمال وإجراءات تحديد الهوية والتحقق منها ومعرفة العملاء والعملاء العرضيين وممثليهم، وتحيين الوثائق والمعطيات والمعلومات المتعلقة بأطراف علاقة الأعمال وبالعمليات التي ينجزونها وحفظها.
وينتظر من هذه المنظومة أن تقوم بالتصريح بالعمليات المشتبه فيها لدى الهيئة الوطنية للمعلومات المالية وتحسيس وتكوين مستخدمي المؤسسات الخاضعة، على أساس أن يتم تضمين جميع الإجراءات والمساطر المشار إليها أعلاه في دليل من طرف المؤسسة الخاضعة للمقتضيات الجديدة على أن يتم تحيينه دوريا من أجل ملاءمته مع النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ومواكبته لتطور الأنشطة.
و تفرض المقتضيات الجديدة أيضا على مؤسسات صناديق التقاعد القيام مرة واحدة على الأقل بتحليل وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بفئات الزبناء والبلدان والمناطق الجغرافية، كما تستوجب المنظومة أن تحدد وتقيم المخاطر التي قد تنجم عن تطوير عمليات وممارسات تجارية جديدة بما فيها آليات توزيع جديدة واستعمال تكنولوجيا جديدة في إطار ممارسته لأنشطته، وضرورة التوفر على نظام معلوماتي ملائم يعالج المعلومات والمعطيات المتعلقة بتحديد هوية ومعرفة العملاء والعملاء العرضيين، و تأتي هذه المقتضيات تطبيقا للقانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال تنزيلا من المغرب لتوصيات مجموعة العمل المالي، التي صنفت المملكة ضمن اللائحة الرمادية. ويرتقب أن يحل، في يناير المقبل، وفد من المجموعة ببلادنا من أجل الوقوف على ما قامت به السلطات.
وكان محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، شدد على أن السلطات المغربية حريصة على حماية الاقتصاد الوطني، ومنع اختراقه بعائدات الأنشطة الإجرامية، والحرص على سمعة وشفافية ومصداقية المؤسسات الرسمية لدى الهيئات المالية الدولية، من خلال تبني المملكة لعدة تدابير إجرائية في مستويات متعددة تشريعية وتنظيمية وقضائية.
ويعتبر عبد النباوي، على أن التأسيس لثقافة مكافحة غسل الأموال في المغرب ” يتم وفق مقاربة تشاركية وتراكمية تنم عن دينامية حيوية تستجيب للمتطلبات الدولية، مع مراعاة الخصوصية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية لبلادنا”، مشيرا الى أن مختلف التعديلات القانونية الموضوعية والشكلية التي أدخلت على قوانين مكافحة غسيل الأموال بالمغرب تمت في إطار موائم لتوصيات منظمة العمل المالي.
ويدعو عبد النباوي، الى توسيع دائرة الاختصاص المحلي للمتابعة والتحقيق والمحاكمة عن هذه الجرائم، لتشمل إلى جانب المحكمة الابتدائية بالرباط كلاًّ من محاكم الدار البيضاء ومراكش وفاس، مؤكدا ” أن هذا الإجراء ” سيؤدي بلا شك إلى مزيد من النجاعة الأمنية والقضائية في مكافحة أشكال غسل الأموال، وحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على نظافة الدورة الاقتصادية للمملكة”.
و عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، بدوره يحذر من استغلال التكنولوجيا الحديثة في جرائم غسل الأموال، منبها إلى استغلال المنظمات الإجرامية للقنوات الرقمية، حيث شدد الجواهري، أن “التكنولوجيا والرقمنة صارتا تفرضان ذاتيهما بما توفرانه من محفزات الاستثمار، والرفع من المبادلات المالية والتجارية؛ مؤكدا انه ينبغي توخي الحيطة والحذر من استغلالهما لأغراض إجرامية، من قبل الشبكات المنظمة التي تحتكم باستمرار إلى أنماط وأساليب احتيالية جديدة”، و أن ” الأساليب الاحتيالية التي تستغلها المنظمات الإجرامية النشيطة في مجال الجرائم المالية تقوم على استغلال التطور التكنولوجي لتهريب الأموال، لاجئة في ذلك إلى استغلال المنصات الرقمية المحاطة بالسرية لخلق نظام مالي افتراضي مواز، قائم بالأساس على العملات المشفّرة، تراد به محاكاة النظام المالي الرسمي”.
وسجل إجمالي الأموال غير النظيفة الناتجة عن عمليات غسل الأموال، التي تُضخ في الاقتصاد العالمي، بما يقارب 2200 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 30 في المائة من الناتج الخام الدولي المقدر بحوالي 85000 مليار دولار، حيث قال عبد النباوي إن خطورة هذا الرقم “تصبح أكثر دلالة إذا عرفنا أنها تقترب من الناتج الداخلي الخام لاقتصاديات دول كبرى كالمملكة المتحدة، وفرنسا، والهند، وتتجاوز الناتج الداخلي الخام لاقتصاديات كبرى أخرى كإيطاليا والبرازيل وكندا وروسيا وكوريا الجنوبية”.
ويُعادل رقم المعاملات العالمي عن طريق غسل الأموال، المقدر بـ2200 مليار دولار، معدل الناتج الداخلي الفردي لحوالي 200 مليون فرد من سكان العالم، “وهو ما يكفي للقضاء على المجاعة بالعالم، التي يعاني منها حوالي 800 مليون شخص، يُتَوفى من بينهم 25000 شخص يومياً بسبب الجوع”، يضيف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.