لم يكن التاريخ في يوم من الأيام خطا مستقيما، ولكنه عبارة عن التواءات كثيرة، وكل من صعد ينزل، غير أن فرنسا لم تصدق أنها نزلت مستويات كثيرة في مقياس التأثير العالمي، وحتى الدول التي اعتبرتها قلاعا أصبحت اليوم تلفظها، وبدأت في مغادرة مواقعها، بل في الهروب من الأماكن، التي مارست فيها النهب لقرون وعقود طويلة، ونسيت أن كثيرا من الدول لم تعد كما كانت ولكنها تعيش نهضة بشكل من الأشكال وعلى رأسها المغرب، الفاعل في الجغرافية السياسية قاريا وإقليميا.
لهذا لم تفهم سفارتها بالرباط والقنصليات التابعة لها، أنها بتصرفاتها المنحطة مع المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرة دخول التراب الفرنسي، تحفر قبرها في المغرب، لأن المغاربة لن يقبلوا الإهانة بتاتا، قد يصبرون ولكن ينبغي أن تحذر الدولة الاستعمارية سابقا من براكين هؤلاء الناس إذا غضبوا.
قد يكون مفهوما في إطار الصراع الجيوسياسي بين البلدان أن يتم اتخاذ مواقف معينة وعدائية أحيانا، في إطار محاولات فرض رأي على دولة أخرى في إطار ما يسميه جوزيف ناي “القوة الناعمة”، وقد يتفهم المتتبع فرض عقوبات اقتصادية على بلد آخر من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، غير أن فرنسا التي لم تفهم التحولات التي يعيشها المغرب ذهبت إلى الحلقة الأضعف أي المواطن.
الوجود المغربي في فرنسا كبير جدا، ومغاربة فرنسا قوة كبيرة، والحاصلون على الجنسية والمتولون مسؤوليات أكبر عددا مما نتصور، بما يعني أن هناك علاقات اجتماعية تربط مغاربة فرنسا بوطنهم وتربط كثيرا من المغاربة بأقاربهم.
المغاربة الراغبون في التوجه إلى فرنسا، الذين تم رفض تأشيرات دخولهم، ليسوا من الباحثين عن شغل كما يتبادر إلى الذهن ولكن منهم وزراء سابقون ونواب سابقون وحاليون وإعلاميون وموظفون كبار ورجال أعمال، ومنهم مرتبطون بعلاقات تجارية في فرنسا وعلاقات عائلية، بما يعني أن هذا التغول لدى مصالح السفارة والقنصليات الفرنسية بالمغرب لا معنى له، لأنه لا يمس ولن يمس الدولة، ولكن فقط يحرم مواطنين من قضاء أغراضهم، وتعتقد فرنسا أنها بذلك سوف تضغط على الدولة وهذا من سوء تقديرها ومن قراءتها البائسة للتاريخ.
إن نسيت فرنسا فعليها أن تتذكر أنه عندما صدر الكتاب الفارغ لصاحبه المبتز جيل بيرو، غمر المواطنون المغاربة مكاتب البريد الفرنسي بملايين برقيات الإدانة مما خلق أزمة في الاستقبال البرقي حينها، في وقت لم يكن هناك مواقع للتواصل الاجتماعي وغيرها، وذلك إدانة لابتزاز فرنسي في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، لأن الكتاب مس واحدة من ثوابت المغرب: الملكية. واليوم المواطنون المغاربة قادرون على مواجهة فرنسا بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة حتى يبينوا لها أنهم ليسوا حائطا قصيرا تعلق عليه هذه الدولة فشلها في إدارة ملفاتها مع دولة لم تعد تقبل الابتزاز من أي نوع.