كتب عز الدين الهاشمي الإدريسي مقالا عن والده الراحل بوشعيب الهاشمي الإدريسي وذلك تخليدا لذكرى أحد أرقى الأصوات بالإداعة والتلفزة الوطنية:
الحاج بوشعيب الهاشمي الإدريسي (1928-2013) كان منذ صغر سنه مولعا بالرادو والالكترونيك. في خمسينيات القرن العشرين، كان باستمرار يقوم بتفكيك وإعادة تجميع أجهزة الراديو والترانزستورات.
وللذهاب إلى النهاية في شغفه، اختار في خمسينيات القرن العشرين دراسة الإلكترونيك عن طريق المراسلة في “Ecole Universelle” الشهيرة التي تأسست في عام 1907. كانت هذه المدرسة رائدة في التعليم عن بعد، وتقع في باريس، وكان لديها في ذلك الوقت مئات المعلمين وأكثر من مائة ألف طالب حول العالم.
بعد الاستقلال بحث عن عمل يناسب المجال الذي اختاره، أي الالكترونيك والصوت. فطرق باب الإداعة الوطنية، راديو ماروك سابقا. وتم قبوله سنة 1956 باعتباره تقنيا في الإداعة الجهوية بالدارالبيضاء، الذي كانت تتوفر على استوديوهات في عين الشق وستوديو في ساحة الأمم المتحدة، بالضبط خلف المسرح البلدي.
وقد اشتهر الحاج بوشعيب الإدريسي بالتفاني في عمله، وفي أوائل الستينات ، تم تعيينه رئيسا لمركز التردد المنخفض في الإذاعة الجهوية للدار البيضاء.
ويهتم هذا المركز بإدارة الاستوديوهات ومنصات الموسيقى ووحدات التحكم ومعدات التسجيل الصوتي للبث المباشر وتسجيل البرامج والتقارير، وإدارة التوصيلات وإرسال الإشارة إلى مرسلات البث (التردد العالي) وما إلى ذلك.
وقد الحاج بوشعيب شغل هذا المنصب حتى تقاعده في عام 1988. كما أكمل العديد من التدريبات في الخارج مع شركات عديدة، وخاصة الشركات الألمانية والفرنسية، التي زودت المعدات اللازمة الخاصة بعمله.
وفي سبعينيات القرن الماضي، قررت وزارة الإعلام أن تبث برامج ليلية عبر محطات الإذاعات الجهوية (الدار البيضاء ، فاس ، طنجة ، وجدة ، مراكش,…) على موجات الأثير الوطنية بين منتصف الليل و 5 صباحا على أساس التناوب خلال الأسبوع. وكانت الأمور تتطور بشكل محلوظ، حيث انتهى الصمت على موجات الأثير بعد منتصف الليل. وكان من الضروري أيضا توفير المعلومات والموسيقى لأولئك الذين كانوا خلف عجلة القيادة ليلا على الطرق، حيث تم تكليف إداعة طنجة بهذه المهمة من خلال بث برامج ثقافية عالية الجودة.
وحتى تتميز إداعة الدارالبيضاء عن الباقي، رأى المندوب الجهوي للإذاعة والتلفزة والمدير الفني والصحفيين أنه من المناسب أن يسبق النشرات الإخبارية المسائية للمحطة أثر صوتي مميز. وقد تم تكليف الحاج بوشعيب الهاشمي الإدريسي بابتكار هذه النغمة. وفي ذلك الوقت، لم تكن معالجة الصوت الرقمية موجودة. كانت الأناشيد وأغاني الجنيريك، في جميع محطات الإداعات بما في ذلك الأوروبية، غالبا ما تكون أغلفة لمقطوعات موسيقية مسجلة على أشرطة من الفنيل.
ويتذكر عز الدين أنه في منتصف السبعينات، عاد والده إلى المنزل حاملا شريطا 33 دورة في الدقيقة، صدر في الستينات، تحت عنوان “الموسيقى الكارايبية، وهو نوع من الموسيقى ينتمي إلى المجال الثقافي لأرخبيل البحر الكاريبي. نوع موسيقي متعدد الثقافات، يمزج بين الإلهام الأفريقي والأمريكي الهندي والأوروبي والتي ستصبح فيما بعد مكونا من مكونات الموسيقى العالمية. وبسماعات في أذنيه، وقف أمام هاتف كهربائي وجهاز تسجيل “ناغرا”، رفيقته الوفية. وبدأ في الاستماع إلى الشريط لعزل قطعة صغيرة يمكن أن تستخدم كنغمة. وغالبا ما كان يجلب العمل إلى المنزل بعيدا عن صخب الاستوديوهات. وقد استمع الحاج بوشعيب لهذا الشريط عشرات المرات، لكن المحاولات لم تكن حاسمة فاستسلم.
بعد عدة أيام ، كانت لديه فكرة رائعة، حيث قرر الاستماع إلى الشريط مرة أخرى، ولكن بسرعة 45 دورة في الدقيقة. فاكتشف أغنية وسجلها على جهاز التسجيل الخاص به لتسهيل الرياح والترجيع. فأصبح اللحن أكثر إيقاعية. وقام بعزل تسلسل دقيق مدته 3 ثوان وكرره ليحصل أخيرا على هذه الأغنية التي تستمر 6 ثوان بالضبط. وتم إنشاء النغمة الشهيرة على أساس هذه الموسيقى الكاريبية حيث نتعرف على مزيج من الإيقاع وأصوات الجيتار والماريمبا والفلوت القصبي. اقترح الحاج بوشعيب النغمة وتمت الموافقة عليها لفائدة إذاعة الدار البيضاء.
غير أن الحكاية، يقول عز الدين، لاتقف عند هذا الحد. فبعد فترة وجيزة، عاد الحاج بوشعيب إلى المنزل في إحدى الأمسيات مبتسما. كان فخورا بإخبار عائلته أن النغمة قد تم اختيارها من قبل إدارة محطة دار البريهي في الرباط قبيل نشرات الأخبار للإذاعة الوطنية.
عن مقالة باللغة الفرنسية لعز الدين الهاشمي الإدريسي على صفحته بالفيسبوك