وجهت فعاليات حقوقية ومدنية انتقادات لاذعة للحكومة المغربية، على خلفية ما تضمنه مشروع قانون المسطرة الجنائية من مقتضيات اعتبرتها انتكاسة قانونية وضرباً صارخاً لحقوق أساسية، في مقدمتها الحق في التبليغ عن الفساد، واستقلالية النيابة العامة في قضايا الأموال العمومية، وهو ما تم تضمينه تحديداً في المادتين 3 و7 من المشروع.
جاء ذلك خلال ندوة صحافية نظمتها “المبادرة المدنية للتصدي لتعديلات المادتين 3 و7″، حيث شدد المتدخلون على ضرورة وقف هذا التوجه التشريعي، الذي وصفوه بـ”المساس المباشر بمبدأ فصل السلط”، وطالبوا بإحالة المشروع على المحكمة الدستورية باعتبارها الجهة المؤهلة للبث في مدى دستوريته، مؤكدين أن عدم عرض المشروع عليها يمثل مؤشراً خطيراً على وجود قرار سياسي للتراجع عن مكتسبات دستور 2011.
من جهته، اعتبر أحمد البرنوصي، الكاتب العام السابق لمنظمة “ترانسبرانسي المغرب”، أن تبريرات وزير العدل عبد اللطيف وهبي بشأن ممارسة بعض الجمعيات للابتزاز لتبرير تمرير المادتين، هي تبريرات غير مقبولة، مشدداً على أن القانون يعاقب على القذف والوشاية الكاذبة، ولا حاجة لتكميم أفواه الجمعيات بدعوى محاربة الابتزاز.
وأضاف أن الوزير نفسه سبق أن لجأ إلى القضاء ضد صحافيين اتهمهم بالقذف، وهو ما يؤكد أن الوسائل القانونية متاحة دون الحاجة لتقييد حق المجتمع المدني في التبليغ.
ووجه محمد العوني، رئيس منظمة “حاتم”، انتقادات شديدة اللهجة للوزير، متهماً إياه بالتعامل مع التشريع بـ”مزاجية” وبمنطق “قلب المفاهيم”، معتبراً أن الجمعيات ليست هي المشكل الحقيقي، بل السياسيون الفاسدون، وفي مقدمتهم، حسب تعبيره، بعض من يتقلدون مناصب القرار.
وأشار العوني إلى أن جمعيات المجتمع المدني تعاني من حصار ممنهج، ترجم في التضييق على تنظيم ندوة المبادرة نفسها، بعد تراجع النقابة الوطنية للصحافة عن احتضانها، معتبراً ذلك شكلاً من أشكال الحصار الممنهج الذي تعانيه الهيئات الجادة.
من جانبه، كشف سعد الطاوجني، الكاتب العام لترانسبرانسي المغرب، أن المشروع كما هو يحمي المفسدين في المؤسسات المنتخبة، ويمنع حتى النيابة العامة من مباشرة التحقيقات في ملفات الفساد، مما يكرّس الإفلات من العقاب.
وأكد أن خطورة المشروع تستوجب تدخلاً ملكياً، لأن ما يحدث هو “تخريب لفصل السلط وضرب للدستور في العمق”، حيث أصبح الولوج إلى العدالة مشروطاً بإرادة وزير العدل، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لاستقلالية القضاء.
بدوره، وصف عز الدين أقصبي، الخبير الاقتصادي وعضو ترانسبرانسي المغرب، مشروع القانون بـ”التراجع الكبير والتاريخي”، معتبراً أن الدولة عاجزة حتى عن احترام الحد الأدنى من الالتزامات التي جاء بها الدستور، لاسيما ما يتعلق بحقوق المجتمع المدني ودوره في الرقابة والمحاسبة.
وشدد أقصبي على أن عدم إحالة المشروع على المحكمة الدستورية يمثل دليلاً على وجود قرار سياسي يروم العودة إلى الوراء، منتقداً المساس العلني باستقلال القضاء، وحرمان الجمعيات من القيام بأدوارها الرقابية.
خلال الندوة، أشار عدد من المتدخلين إلى أن الجمعيات التي تمارس الابتزاز هي في الغالب جمعيات “مفبركة” ومرتبطة بمسؤولين نافذين، تحظى بالحماية ولا تُحاسب، بينما تُحاصر الجمعيات الجادة التي تعمل بشفافية، ويتم التدقيق في أنشطتها المالية والتنظيمية باستمرار.
كما انتقدوا ما وصفوه بـ”نفاق الحكومة” التي تدّعي محاربة الفساد بينما تسحب القوانين الرادعة مثل قانون الإثراء غير المشروع، وتُجهز على مؤسسات مثل اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد.
أما محمد النويني، رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، فاعتبر أن المادتين 3 و7 تضربان في الصميم مبادئ دستورية واضحة، كالتشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة، كما تؤديان إلى تغييب النيابة العامة وتقييد تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأموال.
وأكد النويني أن مشروع القانون يتضمن مواد أخرى تنتهك مبادئ المحاكمة العادلة، وتكرّس تغوّل أجهزة الأمن والنيابة العامة، وتمس الخصوصية، وتقلّص من دور الدفاع.
وفي ختام الندوة، قدمت “المبادرة المدنية”، التي تضم أكثر من 23 هيئة وائتلافاً، مذكرة ترافعية رفضت فيها بشكل قاطع التعديلات المقترحة، معتبرة أن المادة 3 تقيّد النيابة العامة وتحرمها من المبادرة في قضايا المال العام، كما أن المادة 7 تمنع الجمعيات من اللجوء إلى القضاء، مما يمنح الفاسدين نوعاً من الحصانة غير المعلنة، وأكدت المبادرة أن المشروع في صيغته الحالية يشكل خرقاً واضحاً للدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأن تخوف المشرع من الوشايات الكاذبة يمكن معالجته بتشديد العقوبات عليها، بدل منع الجمعيات الجادة من أداء دورها في محاربة الفساد.