أبرزت الأزمة الطاقية التي شهدتها إسبانيا مطلع الأسبوع الجاري، متانة التعاون بين الرباط ومدريد في مجال الربط الكهربائي، وسط إشادات رسمية إسبانية بالدور المحوري للمملكة المغربية في تجاوز الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي عن مناطق واسعة في شمال وجنوب شبه الجزيرة الإيبيرية.
وفي هذا السياق، أبدى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز امتنانه للمغرب وفرنسا، معتبراً في تصريح صحافي أن إعادة التيار الكهربائي أُنجزت «بفضل الربط البيني مع كل من فرنسا والمغرب»، موجهاً «الشكر لهذين البلدين على تضامنهما في هذا الظرف الحرج».
ويعكس هذا الموقف تطوراً لافتاً في طبيعة العلاقات الثنائية، والتي وصفها جلالة الملك محمد السادس، في رسالة تهنئة إلى نظيره الإسباني الملك فيليبي السادس بمناسبة عيد ميلاده مطلع العام الجاري، بـ«النموذجية والمتميزة». وهي عبارة لم تعد مجرد تعبير بروتوكولي، بل تأكدت مضامينها ميدانياً من خلال تعدد أوجه التعاون الاستراتيجي بين البلدين، لاسيما في المجال الطاقي.
وكان لافتاً أن المغرب، الذي يعتمد منذ عام 2021 على إسبانيا في تلبية جزء من حاجياته من الغاز الطبيعي المسال عبر الاستعمال العكسي للأنبوب المغاربي – الأوروبي، تحول في المقابل إلى عنصر داعم لأمن الطاقة الإسباني بفضل الربط الكهربائي العابر لمضيق جبل طارق انطلاقاً من شمال المملكة.
وفي تقرير نشرته صحيفة «إلباييس» الإسبانية، تم التأكيد على الأهمية البالغة لهذا الربط الثنائي، الذي يتكون من سبعة كابلات بحرية تمتد بين محطة «فرديوة» المغربية، في منطقة القصر الصغير، ومحطة «طريفة» في إقليم قادس جنوبي إسبانيا. وقد أدّى هذا الربط دوراً محورياً في التخفيف من آثار الانقطاع المفاجئ الذي مسّ الشبكة الإسبانية يوم الاثنين.
وكشفت الصحيفة ذاتها أن المشروع القائم منذ عام 1988 سيشهد توسعة خلال السنوات المقبلة، بإضافة خطين جديدين تحت المضيق بحلول عام 2028، في خطوة تهدف إلى تعزيز أمن الإمدادات الكهربائية بين ضفتي المتوسط، وتثبيت الاستقرار الطاقي في المنطقة، خصوصاً بعد توقف الخط القادم من الجزائر منذ عام 2021.
وبحسب معطيات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، فقد تمكنت المملكة من تعويض جزء من العجز الطاقي في الجارة الشمالية عبر تشغيل محطات الفحم والدورة المركبة العاملة بالغاز الطبيعي، وهو ما سمح باستقرار الشبكة الكهربائية الوطنية، باستثناء بعض الانقطاعات المحدودة المسجلة في شمال وشرق البلاد.
وفي هذا السياق، ذكّرت صحيفة «إلباييس» بتجربة مماثلة جرى فيها استثمار البنية التحتية الطاقية المشتركة، مشيرة إلى أنه في يونيو 2022، أُعيد تشغيل أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي، بعد توقف دام ثمانية أشهر، ولكن باتجاه عكسي، إذ أصبحت إسبانيا تزوّد المغرب بالغاز الطبيعي المسال الذي يشتريه من الأسواق العالمية، ليعاد ضخه نحو محطات مغربية.
وتفيد بيانات مؤسسة CORES الإسبانية، المختصة في مراقبة الاحتياطات الاستراتيجية للنفط، بأن الرباط استوردت خلال عام 2024 نحو 9.703 جيغاواط في الساعة من الغاز عبر هذا الأنبوب، في مؤشر على تنامي أهمية هذه الشراكة الطاقية بين البلدين في ظل تحولات جيواستراتيجية معقدة تشهدها المنطقة المغاربية.