شرعت الأحزاب السياسية والمرشحون المستقلون منذ صباح أمس الإثنين في وضع ترشيحاتها لدى السلطات المعنية بالأمر، وحسب ما تم الاطلاع عليه من أسماء معلنة للترشح فإن أغلب الوجوه ستعود للساحة السياسية وللمشهد الانتخابي، فقد تغير كل شيء وبقيت أسماء المرشحين، تغيرت الشعارات وترتيب اللوائح والأحزاب السياسية التي تحت لوائها ظهر المرشحون، لكن هؤلاء ظلوا هم أنفسهم دون تغيير.
شيئان أصبحا ملازمين للانتخابات في المغرب، وهما من أشد العوامل المؤثرة في العملية السياسية، بل كالأعشاب الطفيلية بالنسبة للحرث والزرع، ويتعلق الأمر بتكرار الوجوه والترحال السياسي، وبينهما ترابط كبير، فالثاني هو ناتج عن رغبة الوجوه القديمة في العودة تحت أي عنوان سياسي، يتم من خلال الانتقال من اليسار إلى اليمين والوسط وما بينهما.
فأكبر ضربة للعملية الانتخابية برمتها هو تكرار الوجوه. من غير المنطقي أن تقوم بترشيح الوجوه نفسها في الدوائر نفسها أو في دوائر أخرى، ويعرف الناخبون أن هؤلاء كانوا في البرلمان أو في الجهات والجماعات، لكن لم يقدموا شيئا سوى لذواتهم وأقاربهم، وفي بعض الأحيان المقربين منهم حزبيا، بينما الهدف الذي من أجله تم انتخابهم لم يكن في حسبانهم أصلا ولم يقوموا بأي جهد لتحقيقه أو على الأقل الدفاع عنه وتبليغه.
وجوه سيطرت عليها المصالح الشخصية، وقدمت خدمات لنفسها ولأقاربها، وهي نفسها اليوم تعود. ونتحدث كل مرة عن العزوف السياسي لدى الناخبين. العزوف السياسي لم يأت من فراغ بل هو الفراغ نفسه، لأنه لا يعبر عن حقيقة العملية السياسية، فالعزوف طارئ عليها، وكانت الناس تتزاحم على مكاتب التصويت، حتى وهي ترى وزارة الداخلية في الزمن الموسوم بسنوات الرصاص تغير النتائج وتزورها، ولكن كانت تؤمن بأن أغلب المرشحين يتقدمون لخدمة المصلحة العامة حتى لو كانت صغيرة.
اليوم أي مواطن غير متحزب وغير تابع ولا مصلحة له في الأحزاب السياسية عن الانتخابات، يشرع في انتقاد المنتخبين، بل يقول فيهم ما لم يقله مالك في الخمر، هذا وهو يعرف فقط ظاهرا من الحقيقة، مثل غياب الخدمات والمشاريع، لكن يجهل النهب الممارس، تحت عناوين قانونية وبمسميات الصفقات، الذي يتم في حق الميزانية العامة.
مواطن كان ينتظر رحيل هؤلاء من أجل التغيير فيرى أنهم تقدموا إليه من جديد، وتحت مبررات واهية، بل هناك أحزاب تمارس الكذب والخداع في حق الناخبين حتى يمكن أن تستقطب الناخبين، في وقت كان عليها أن تقوم بتغيير الخطاب، فكثير ممن يحق لهم التصويت اليوم هم أبناء الألفين، بتوجه جديد ومعرفة جديدة وقيم مختلفة وثقافة مغايرة، وتقدم لهم مرشحا كان قد أُتخم قبل بداية الألفية الجديدة.
الأمر الثاني، الذي فصلنا فيه أمس، يتعلق ببورصة الانتخابات، حيث تحولت الأحزاب إلى ميركاتو للاعبين سياسيين همهم المصلحة الشخصية.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه ستكون الأحزاب السياسية قد حفرت قبرها بيدها وأضرت بالعملية السياسية وعلى رأسها الانتخابات.