الأسبوع الذي أمامنا سيكون مفتتح المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة، بعد تعيين جلالة الملك محمد السادس، عزيز أخنوش رئيسا للحكومة بناء على فوز حزبه التجمع بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، غير أن المشاورات لن تكون بنوع من المنطق إذا تواصلت وفق ما تطمح إليه الأحزاب السياسية، التي تكتلت أغلبها في صف واحد منتظرة أن يطرق رئيس الحكومة المكلف بابها كي تشارك في الحكومة.
بما أن الانتخابات هي اختيار فكذلك التحالفات هي اختيار، لكن المؤسف هو أن تصبح المعارضة مجرد ما تبقى بعد نهاية التحالف الحكومي، وهذا مرض جديد تعيشه السياسة في المغرب.
الدستور أعطى قيمة للمعارضة وجعلها أولوية وأسبقية الأسبقيات على كل شيء وجاءت مباشرة بعد العناوين العامة، حيث نص في فصله العاشر على أنه، أي الدستور، “يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن، بصفة خاصة، للمعارضة حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاتصالات والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، وتمويل الحملات الانتخابية والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والإعلام التابع للدولة والرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية”. ناهيك عن امتيازات أخرى.
هذه هي المعارضة كما يتصورها الدستور، وقد أولاها قيمة كبيرة، وجاءت في الفصول الأولى بينما الحكومة وأغلبيتها في فصول متأخرة، وليس هذا الترتيب اعتباطيا ولكنه مدروس، باعتبار الأهمية التي تحتلها المعارضة في النظام السياسي الديمقراطي، وهي مكانة أساسية ورئيسية، لكن المعارضة عند الأحزاب السياسية هي “سقط المتاع”، أي ما تبقى بعد إفراز الأغلبية.
المعارضة تموقع سياسي وليس ما فضُل عن الأغلبية. على الأحزاب السياسية أن تعقد برلماناتها وتناقش بجدية، طبيعة الحزب الذي فاز بالرتبة الأولى وهل يصلح أو لا يصلح التحالف معه، بالنظر لطبيعة إديولوجيته الليبرالية، التي تبناها في مؤتمر مراكش الاستثنائي عندما طلق “الوسطية الاجتماعية”، وهل رؤيته الاقتصادية والاجتماعية تتناسب مع توجهات الحزب الذي يريد التحالف معه؟
لكن ما يحدث الآن هو أن حزبا سياسيا خرج زعيمه قبل الانتخابات وقال في أخنوش ما لم يقله مالك في الخمر، وجاء اليوم يعلن أنه ليست لديه خطوط حمراء ولا صفراء في الدخول إلى الحكومة. هذا أمر مؤسف جدا.
لا معنى للسياسة إذا كانت الأحزاب كلها تريد دخول الحكومة. طبعا هي مبنية اليوم على هذا الأساس لأن الحكومة تمنحها إمكانيات للريع الذي بواسطته تستقطب الأطر والكفاءات عن طريق بريق التعيينات والتوظيف والتمهيد للترقي وغيرها وهذا أمر لا يليق بديمقراطية المغرب.