يعيش المغرب هذه الأيام حمى متصاعدة الدرجات تتعلق بالتزكية للانتخابات المقبلة، سواء المتعلقة بالغرف المهنية أو الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، وهناك تسابق كبير من طرفين، الأول هو الأحزاب السياسية، التي تسعى إلى استقطاب الوجوه الانتخابية، الضامنة للمقاعد وبالتالي يربح الحزب مقعدا انتخابيا، والثاني هو بعض الكائنات الانتخابية التي تبحث عن حزب يمنحها التزكية تفاديا لجمع التوقيعات.
في البداية لابد من التأكيد على مسألة أساسية تتعلق بوجود الحزب السياسي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من بناء الدولة الديمقراطية، ولا يمكن تصور دولة ديمقراطية دون وجود أحزاب سياسية، فهي الآلية الوسيطة بين المجتمع والدولة وهي التي تنقل خصوصيات الفئات إلى عموم المشاريع، وبالتالي لا يمكن تصور ديمقراطية دونها، وبالتالي فإن منسوب الديمقراطية رهين بمنسوب الاختيار الحزبي.
هناك مكونان في العملية الانتخابية، فمن جهة هناك وزارة الداخلية والسلطة القضائية كضامنين لتنفيذ القوانين، وبالتالي فإن هذا المكون هو ركيزة العملية الانتخابية من حيث الإشراف على احترام القوانين، ولكن لا يمكن أن يتدخل في اختيارات الأحزاب، إذ ليس من حق الوزارة والسلطة القضائية منع أحد من الترشح إلا إذا منعه القانون، وذلك بموجب أحكام صادرة عن المحاكم متضمنة الحرمان من الحقوق المدنية، غير ذلك لا أحد من حقه أن يتصدى لأي أحد أراد أن يترشح للانتخابات لأنه حق مكفول دستوريا، والمنع منه يخضع للقوانين الجاري بها العمل.
لكن إذا كان القانون غير مانع لأحد من الترشح للانتخابات، فإن هناك مكون آخر للعملية الانتخابية وللعملية السياسية عموما ألا وهو الحزب السياسي، الذي يعتبر دوره كبيرا في صيانة العملية السياسية، فإذا كان الشخص الذي يسعى لنيل التزكية من الحزب السياسي غير ممنوع قانونيا فلابد من النظر في المنع الأخلاقي، حيث لا يمكن منح التزكية لشخص مشبوه أو متابع غير محكوم أو تطارده تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
القانون هنا واضح، إذا كان السجل العدلي خالي من أي حكم بالسجن مانع من الترشح فالشخص مؤهل للترشيح ولا يمكن منعه، لكن يمكن للحزب منعه من خلال عدم منحه التزكية.
هنا لابد من الحديث قليلا عن التزكية الانتخابية، التي يمنحها الحزب السياسي للمرشح. التزكية هي شهادة براءة من التنظيم السياسي للشخص المرشح، حتى لو كان هذا المرشح من أخطر الناس على العملية الديمقراطية، وكثير من شباب الأحزاب أحيانا يقبلون القيام بالحملة الانتخابية مع بعض المرشحين رغم عنهم وبالتالي تكون تزكي مضاعفة. وهذه العملية خطيرة على الانتخابات والعملية السياسية بل خطيرة على الديمقراطية.
التزكية ينبغي منحها للشخص الذي يتميز بالاستقامة الأخلاقية، ولا نعني بها هنا فهمها الضيق، الذي يتلصص على خصوصيات الناس، ولكن نقصد بها الاستقامة ونظافة اليد من المال الحرام ومن التدبير المغشوش.
نقر أنه لا ديمقراطية دون ممارسة انتخابية جيدة والتزكية مدخل حقيقي للبناء الديمقراطي.