في سياق اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، يبرز الحق في التنمية كأحد الحقوق الأساسية التي يجب أن تُضمن للأفراد والمجتمعات، خاصة في ظل الصراع بين السرديات الأمنية التي تتبناها الدولة والسرديات البديلة التي يطرحها الحقوقيون والمعارضة.
هذا الصراع يعكس تناقضات عميقة في كيفية إدارة الشؤون الأمنية والاجتماعية، ويؤثر بشكل مباشر على تحقيق العدالة الاجتماعية والحق في التنمية ، لأن الحق في التنمية كجزء من العدالة الاجتماعية ، لا يقتصر فقط على النمو الاقتصادي، بل يشمل أيضًا توفير الفرص المتساوية للجميع في المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية. لذلك وجب التأكيد على أنه في سياق الصراع بين السرديات الأمنية للدولة والسرديات البديلة، أي أنه يُنظر إلى الحق في التنمية على أنه حقٌ يتطلب بيئة آمنة ومستقرة، ولكن أيضًا بيئة تحترم الحريات الأساسية وتسمح بالمشاركة الفعالة للمواطنين في التدبير التشاركي للشأن العام ، وهنا غالبًا ما تركز الدولة على تعزيز الأمن والاستقرار كشرط مسبق للتنمية. ومع ذلك، قد تُستخدم سردياتها الأمنية لتبرير إجراءات تقيد الحريات وتحد من مشاركة المجتمع المدني، مما يعيق تحقيق التنمية الشاملة. وبالمقابل تتبلور السرديات البديلة ، حيث يرى الحقوقيون والمعارضة أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. فهم يدعون إلى إشراك المجتمع في صياغة السياسات الأمنية والتنموية، مما يعزز الشرعية والثقة بين الدولة والمواطنين ؛ لكن أحيانا وكرد فعل تتصرف الدولة كـ”معارِضة” للسرديات البديلة، فتعمل على تقويض الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة. هذا يمكن أن يحدث عبر كبح الأصوات الناقدة أو تقييد الحريات التي تمكن الأفراد من المشاركة في التنمية. في هذا السياق، يصبح الحق في التنمية مرتبطًا بشكل وثيق بحرية التعبير والحق في المشاركة في التنمية فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، آنذاك تصبح السياسات التنموية أقل فعالية وأقل استجابة لاحتياجات المواطنين. ومن أجل تحقيق التنمية، يجب أن تكون هناك مساحة للحوار بين الدولة والمجتمع المدني. هذا الحوار يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن بين الأمن والحرية، مما يعزز التنمية الشاملة . وعلى عكس ذلك ؛ عندما يتم التعامل مع النقاشات الأمنية كصراع بين طرفين متنافرين، بدلاً من كونها عملية بناء مشترك، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تهميش فئات معينة من المجتمع وإعاقة مشاركتها في التنمية . و لتحقيق التنمية يتطلب الأمر الاعتراف بوجود سرديات متعددة حول الأمن والتنمية. يجب أن تكون هناك مساحة لوجهات نظر مختلفة، بما في ذلك تلك التي تطرحها المعارضة والحقوقيون، لضمان أن تكون السياسات التنموية شاملة وعادلة ؛ والذي يفضي إلى التوافق حول الإصلاحات الأمنية والتنموية الممكنة . فمن خلال الحوار البنّاء، يمكن أن تتحول السياسات الأمنية لتصبح أكثر انفتاحًا على النقد وأكثر استجابة لاحتياجات المجتمع. وهذا يمكن أن يعزز الشرعية والثقة بين الدولة والمواطنين، مما يساهم في تحقيق الغايات المشتركة ؛ لكن هذا لن يتحقق أو يكتمل ، سوى بتحقيق التوازن بين الأمن والحرية ؛ الشيء الذي يتطلب إرساء حكامة أمنية تحترم حقوق الإنسان وتسمح بالتعبير الحر عن الآراء ؛ في أفق إحداث تحول في العقيدة الأمنية للدولة، بحيث تصبح أكثر انفتاحًا على النقد وأكثر استجابة لمطالب المجتمع ، وتمكين قواه الحية ومن خلال تعبيراته السياسية والاجتماعية كخطوة أساسية نحو تحقيق التنميةالشاملة . وعندما يتمتع المواطنون بحرية التعبير والمشاركة في صنع القرار، فإن ذلك يعزز العدالة الاجتماعية ويضمن أن تكون التنمية شاملة ومستدامة. ثم إن تعزيز الشفافية والمساءلة، لن يتأتى دون دمقرطة الفضاء العمومي وتوفير الإمكانيات لتعدّد السرديات وتنوعها . وفي آخر التحليل تظل الغاية الكبرى هي إرساء قواعد الحكامة الجيدة في مجال الأمن ، وعلى رأسها حوكمة السرديات الأمنية ، ومن أجل تحويل الشؤون الأمنية إلى مجال مشترك ؛ عوض تمثلها كمجال محفوظ ؛ يتطلب الأمر إلغاء أمننة المطلب الديمقراطي وتوفير آليات شفافة، ومسؤولة، تشجع على الحوار وتعدّد السرديات حول الأمن. مع الاعتراف بحق المجتمع في المشاركة في صياغة السياسات الأمنية، وعفى أساس يمكن أن تُصبح المؤسسات الأمنية أكثر انفتاحًا على النقد، وأكثر استجابة لاحتياجات المجتمع ، وبهذه الطريقة، تتحقق التوازنات المطلوبة بين الأمن والحرية، مما يمهد الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي ؛ وإن أول الخطو كمؤشر سياسي ؛ العمل على تنصيب المجلس الأعلى للأمن ، والذي يعتبر تجميد تفعيله جزءً من سرديات أمنية تعيق الإنتقال الأمني ؛ وتتيح الفرصة لمزيد من الإحتقان الإجتماعي والإنفلات الأمني ، فكيف نقاوم تشاركيا اللامعيارية وفوضى التواصل واللتان تؤديان إلى انهيار قيم التعايش والروح الوطنية؟
مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية