في وقت تتعاظم فيه التحديات النفسية والاجتماعية في المغرب، ويتزايد الإقبال على خدمات الدعم النفسي، خرج وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، ليعترف أمام البرلمان بـ”الخصاص الحاد” في أطر الطب النفسي، معلناً عن انطلاق الإعداد لاستراتيجية وطنية شاملة للصحة النفسية والعقلية. خطوة وُصفت بأنها طال انتظارها، بالنظر إلى الأزمة الهيكلية التي يعيشها هذا التخصص الحيوي منذ سنوات.
319 طبيباً فقط.. ووزير الصحة يعد بتوظيف 35 إضافياً
كشف التهراوي أن عدد الأطباء المتخصصين في الطب النفسي داخل القطاع العام لا يتجاوز 319 طبيباً، إلى جانب 62 فقط متخصصين في طب نفس الأطفال. معطيات صادمة إذا ما قورنت بالحاجة المجتمعية المتزايدة إلى خدمات الصحة النفسية، خاصة في ظل ما خلفته الجائحة من تداعيات على الصحة العقلية، إضافة إلى الضغط الاجتماعي والاقتصادي.
ورغم الخصاص البنيوي، تعهد الوزير بتوظيف 35 طبيباً مختصاً إضافياً، وتخصيص 123 منصباً مالياً لسد الثغرات خلال عامي 2024 و2025، منها 89 منصباً لفائدة ممرضي الصحة العقلية. غير أن هذه الأرقام تظل، بحسب خبراء، “متواضعة أمام حجم الطلب الوطني وتفاوت توزيع الأطر حسب الجهات”.
استراتيجية قيد الإعداد… وتأكيد على البُعد الحقوقي
الوزير أكد أمام مجلس المستشارين أن وزارته شرعت في إعداد استراتيجية وطنية للصحة النفسية والعقلية، واعداً بالإشراف الشخصي على اجتماعات تقنية مرتقبة ستشكل انطلاقة هذا المشروع. واعتبر التهراوي أن الصحة النفسية باتت “ركيزة أساسية لجودة حياة المواطنين وتحقيق التوازن المجتمعي”، مشدداً على ضرورة توسيع العرض الصحي وتوزيع الموارد بعدالة بين الجهات.
كما كشف المسؤول الحكومي عن الانخراط في مراجعة الإطار القانوني المتعلق بالصحة العقلية، ووضع بروتوكولات علاجية مخصصة للاضطرابات ذات الأولوية، في مسعى لتعزيز حقوق المرضى العقليين وتحسين ظروف التكفل بهم.
عرض صحي محدود… وخدمات تعاني التهميش
تشير الأرقام الرسمية إلى أن مجموع العاملين في قطاع الصحة النفسية لا يتجاوز 3230 مهنيًا، منهم 1700 ممرض في الصحة العقلية. ويواجه هذا العدد صعوبات كبيرة لتغطية احتياجات ساكنة تتجاوز 37 مليون نسمة، لا سيما مع غياب تغطية صحية نفسية فعالة في عدد من الجهات الداخلية والقروية.
الوزارة تعمل حالياً، بحسب التهراوي، على تعميم خدمات الطب النفسي في المستشفيات العامة، وإحداث وحدات استشارة خارجية، وتشكيل فرق للتدخل في الأزمات النفسية الاجتماعية، وتعزيز خدمات إعادة الإدماج وإعادة التأهيل.
مطلب الإصلاح الجذري
يرى مختصون أن الإعلان عن هذه الاستراتيجية يمثل بادرة إيجابية، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وميزانيات مخصصة تترجم الطموح إلى واقع ملموس. فالصحة النفسية لم تعد ترفاً أو شأناً فردياً، بل مسألة أمن اجتماعي ينبغي أن تكون في صلب السياسات العمومية.