أثارت مشادات كلامية غير مسبوقة داخل مجلس النواب، خلال جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الإثنين، جدلا سياسيا واسعا، بعدما دخل رئيس الجلسة، محمد أوزين، في سجال لفظي مع أعضاء من الأغلبية، وفي مقدمتهم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، على خلفية ما وصفه هؤلاء بـ”عبارات مشينة” وتلميحات “غير أخلاقية” تلفّظ بها أوزين من منصة الرئاسة.
الحادثة التي وصفتها فرق برلمانية بأنها “غير مسبوقة في تاريخ الجلسات الدستورية”، دفعت الفريق الاستقلالي إلى توجيه مراسلة رسمية إلى رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، مطالبا بفتح تحقيق مستعجل في الواقعة، عبر تفريغ محتوى الجلسة المصورة، وإحالة الملف إلى لجنة الأخلاقيات البرلمانية.
الخلاف على نقط النظام يتحول إلى اشتباك مؤسسي
أصل الواقعة يعود إلى احتجاج المعارضة، على غياب عدد من الوزراء عن الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفوية، حيث تدخل عدد من النواب في إطار نقط نظام، وهي ممارسة مسموح بها برلمانيا، لكنها تحولت هذه المرة إلى ساحة ملاسنات بين رئاسة الجلسة وبعض نواب الأغلبية.
رئيس الجلسة، محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، اعتبر أن الرد على نقط النظام من صلاحيات الرئاسة فقط، ورفض فتح المجال أمام رؤساء فرق الأغلبية للرد، وهو ما زاد من حدة التوتر داخل القاعة، خصوصًا بعد استعماله لعبارة “أرفض هاذ النماذج”، في إشارة إلى ما اعتبره “سلوكًا غير لائق” من نائب استقلالي، في إشارة إلى العياشي الفرفار.
الفريق الاستقلالي: “إساءة موثقة ومرفوضة”
الفريق الاستقلالي عبّر في مراسلته عن استهجانه الشديد لما وصفه بـ”الاستغلال غير المقبول لمنصة الرئاسة”، مؤكدا أن أوزين تلفّظ بعبارات حملت إيحاءات تمسّ بكرامة أحد نوابه، في جلسة يتم بثها مباشرة للعموم. وأوضح أن الاتهامات التي وجهها أوزين “تفيد ضمنيًا أن النائب قام بحركات غير أخلاقية”، وهو ما نفاه الفرفار بشكل قاطع، معلنًا في المقابل سحب أي سلوك انفعالي قد يكون صدر عنه، مراعاة لحسن سير الجلسة.
الفريق طالب بإحالة الحادث على لجنة الأخلاقيات، “صونا لحرمة المؤسسة التشريعية وصورة النائب البرلماني”، محذرًا من تداعيات مثل هذه الانزلاقات على ثقة المواطنات والمواطنين في البرلمان.
أوزين يعتذر
أمام تصاعد الغضب داخل القاعة، تدخل النائب العياشي الفرفار موضحًا أنه لم يكن يقصد أي سلوك خارج عن اللياقة، وإنما كان رد فعل على مقاطعة رئيس الجلسة لكلمة رئيس الفريق. وحرصًا على تهدئة الأجواء، أعلن سحب ما صدر عنه. وفي المقابل، تفاعل أوزين مع هذا الموقف بسحب عبارته المثيرة للجدل وتقديم الاعتذار، في مشهد أطفأ جزئيًا نيران التوتر، لكنه لم يمنع وصول الملف إلى رئاسة المجلس.
أزمة أخلاقية أم ارتباك مؤسساتي؟
بالنظر إلى الأبعاد السياسية والدستورية للحادثة، يطرح عدد من المراقبين أسئلة مقلقة حول منسوب التوتر المتصاعد داخل المؤسسة التشريعية، لا سيما في ظل ما يعتبره البعض تراجعًا في منسوب الانضباط البرلماني، واحتدامًا في الخطاب السياسي حتى داخل الأغلبية نفسها. وإذا كانت الانفعالات اللحظية واردة في النقاشات السياسية، فإن خروجها عن ضوابط الاحترام المتبادل يهدد بتآكل الثقة داخل البرلمان، وربما يضعف من قدرته على أداء أدواره الدستورية.
ويبدو أن هذه الواقعة لن تكون معزولة، بل قد تشكل مناسبة لإعادة النقاش حول أخلاقيات العمل البرلماني وحدود المسؤولية الرمزية لرئاسة الجلسات، خصوصًا عندما تكون تلك الجلسات مرئية ومؤرشفة وتحت أعين الرأي العام.