ينبغي أن نعترف اليوم أنه لدينا عدد من النجوم السياسيين مثلما هم النجوم في عوالم أخرى هي في أصلها تفرض ظهور النجوم، بينما هي طارئة على عالم السياسة وتعتبر دخيلة عليه، لأن السياسيين كانوا يفرون من النجومية وتُفرض عليهم فرضا، لأن للكلمة حينها ثمنًا كبيرًا وتتطلب تضحيات جساما، وأما وقد أصبحت متاحة لصاحبات “روتيني اليوم” وتحول كل صاحب صفحة في فيسبوك إلى كاتب أو صحفي وتحول كل صاحب قناة على اليوتوب إلى إعلامي وخطيب فإن الكل يتهافت عليها اليوم.
النجومية في عالم الفن ظاهرة تاريخية، حتى لو لم تكن هدفا في وقت من الأوقات، لكنها اليوم لازمة وملازمة لأغلب الفنانين، وتبقى مشروعة لديهم، بغض النظر عن القيمة الفنية للأعمال المطروحة في الساحة، لكن عند السياسيين هي بحث عن التموقع غير المستحق في أماكن ينبغي أن يحتلها من يتوفر على خبرة التاريخ والواقع وله القدرة على استشراف المستقبل.
عرف العالم ومن بلادنا نجوما سياسيين، لكن النجومية اعترضت طريقهم رغما عنهم، فلم يكن عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة وامحمد بوستة وعبد الله إبراهيم باحثين بشق الأنفس عن “البوز”، بل إيمانهم بعدالة القضايا التي يدافعون عنها هو الذي أوصلهم تلك المواصل، حتى أدركوا المجد دون البحث عنه، وربما هناك “أبطال بلا مجد” واليوم هناك “مجد بلا بطولة”.
قضى نيلسون مانديلا 27 سنة وراء القضبان، وهل هناك من يبحث عن يوم واحد من السجن، ولكن لم يكن له خيار غير ذلك، ومن داخل الأسوار ناضل من أجل العدالة في بلاده، وخرج ولم يكن من أصحاب نظرية الانتقام حيث بنى أول نظام في جنوب إفريقيا لا يوجد فيه عامل اللون كفاعل حاسم في الحياة السياسية والاجتماعية والمهنية، وما زال البيض يعيشون وسط السود في تعايش. عاش بسيطا ومات بطلا وجاءته النجومية تسعى بين يديه.
في مذكرات السجن يتحدث أنطونيو غرامشي، المفكر الشيوعي الإيطالي الذي كان معتقلا في عهد الفاشية، عن المثقف العضوي، وربما نسي الحديث عن الثقافة العضوية، لأن من المهام الأساسية للأحزاب السياسية كانت هي نشر الثقافة والقيام بتأطير المواطنين وبالأساس أعضائها والمتعاطفين معها.
فقدنا كل ذلك ونزلت السياسة إلى ما يشبه “روتيني اليومي”، أي البحث عن “البوز” السياسي بأية طريقة، على غرار الفنانين، فقد كانت لدينا قامات وهامات مثل عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي وفتح الله المغاري وعبد العاطي آمنا ومحمود الإدريسي ونعيمة سميح وعزيزة جلال والقائمة طويلة ولا يمكن حصرها، وليس غرضنا إنجاز لائحة بأسماء العمالقة ولكن مجرد ضرب المثل، وهؤلاء كلهم أدوا فنا راقيا، فانحدرنا حتى أصبح الفن مجرد صناعة و”بوز”، وها هم السياسيون يتبعونهم حتى أصبح لدينا زعماء بدون زعامة ووزراء بدون كاريزما.