الجغرافيا مثل التاريخ قدر لا دخل للناس والدول فيه، لكن التعامل مع الحدود يمنح الفاعلين إمكانية التفاعل مع ما يخبئه القدر، حيث لم نختر أن نكون جيرانا في قارة محكومة بكثير من الظلم ويطبع تاريخها العسف والانتهاك واستغلال خيراتها من قبل مافيات ودول وشركات من خارجها، وإذا لم تستوعب الدول قدرة الجغرافيا على التحكم في المصير سيكون مصير الجميع نحو الهاوية، ولهذا كان المغرب مهتما ومعنيا بالتعاطي السلس مع القضايا المشتركة بغض النظر عن الخلافات في التوجه والسياسة.
عندما اخترق فيروس كورونا القارة الإفريقية وبدأت الدول تحصي الضحايا، مرضى وموتى، نبّه جلالة الملك محمد السادس، باعتباره أحد القادة الذين أولوا اهتماما للقارة السمراء، إلى ضرورة المعالجة الشاملة برؤية واحدة للوباء بالقارة، وأن ترك كل دولة لمصيرها يعني فشلا جماعيا.
منذ الأشهر الأولى للوباء، دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى تكريس تدبير إفريقي للأزمة، ومن خلال سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع عدد من قادة الدول الإفريقية الشقيقة، تمت استجابة منسقة وتضامنية وطموحة على المستوى القاري تغطي مجمل حلقات الأزمة المرتبطة بكوفيد-19. ومكّنت مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس من إرسال هبات من المغرب تشتمل على أدوية ومعدات وتجهيزات إلى واحد وعشرين بلدا إفريقيا شقيقا، تمثل المناطق الخمس الإفريقية. ويتعلق الأمر بمبادرة ملموسة تهدف إلى إرساء إطار عملي وبراغماتي لمواكبة البلدان الإفريقية الشقيقة في جهودها من أجل تدبير الوباء.
فيما يتعلق بمواجهة وباء كورونا كان المغرب سبّاقا في كثير من المجالات لمواجهة التداعيات، ليست الصحية فقط ولكن حتى الاقتصادية والاجتماعية، إذ تعتبر القارة الإفريقية من أكثر المناطق تضررا في العالم، لكنها استطاعت الصمود في وجه الأزمة الصحية التي عمّت العالم ولم تسثن منطقة دون أخرى.
التجربة المغربية تعتبر نموذجية، وها هي اليوم تعلن عن ريادة المغرب في التصدي للجائحة من خلال حملة التلقيح، إذ تم تصنيف المغرب من الدول الأولى والرائدة في هذا المجال، ولهذا يمكن أن تكون التجربة المغربية منطلقا لحملات تلقيح في أغلب البلدان الإفريقية.
وكما قلنا بداية فإن الجغرافيا مثل التاريخ أقدار مقدرة فإن كل واحد منهما مرتبط بالآخر، فتاريخيا كان المغرب هو الداعي إلى الوحدة الإفريقية من خلال مؤتمر الدارالبيضاء الشهير، ويرى المغرب أن الوحدة الإفريقية التي حركت مجموعة الدار البيضاء في بداية الستينيات، تجد امتدادها اليوم في الجيل الجديد من القادة الأفارقة. ففي الرابع من يناير 1961، جمع جلالة المغفور له محمد الخامس بالدار البيضاء مؤتمرا دوليا بهدف اعتماد ميثاق الدار البيضاء وتعزيز الوحدة القارية. وكان الطموح يتمثل في الواقع في خلق إفريقيا مندمجة على جميع الأصعدة، بما في ذلك على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
المغرب لا ينظر إلى الوراء ولكن إلى تطلعات الجيل الأول من ألآباء المؤسسين للاتحاد الإفريقي، من أجل إفريقيا متلاحمة ومتضامنة وموحدة، قادرة على رفع التحديات، وخاصة على مستوى الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي خصوصا ما بعد الجائحة.