بعد سنوات طويلة من الحضور القوي داخل أروقة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، خرجت تونس رسميًا من دائرة القرار القاري، واضعة حدًا لمرحلة كان فيها ممثلوها جزءًا أساسياً من اللعبة السياسية داخل المؤسسة الكروية الإفريقية.
هذا الغياب لا يعكس مجرد إخفاق انتخابي، بل يكشف بشكل واضح تراجع النفوذ التونسي ووقوعه تحت تأثير الضغوط الجزائرية، إلى جانب أخطاء دبلوماسية واضحة جعلت تونس تدفع ثمن خياراتها.
كيف فقدت تونس مقعدها في الكاف؟
من سليم شيبوب إلى طارق بوشماوي ثم وديع الجريء، شكلت تونس رقماً صعبًا داخل الكاف لسنوات، حيث شغلت مناصب مؤثرة مثل نائب رئيس الكاف، عضوية مجلس الفيفا، ورئاسة لجنة الحكام.
ومع ذلك، هذا الحضور انهار بالكامل خلال انتخابات 2024، حيث انسحب المرشح التونسي حسين جنيح من السباق على مقعد منطقة شمال إفريقيا، بعد ضغوط جزائرية قوية فتحت الطريق أمام المرشح الجزائري وليد صادي للفوز بالتزكية وبدون منافس.
لكن المثير للتساؤل أن تونس لم تخسر بسبب نقص الدعم أو ضعف مرشحيها، بل لأنها رضخت للإملاءات الجزائرية، في موقف أظهر بشكل واضح تراجع تأثيرها الإقليمي وفشلها في الدفاع عن مصالحها داخل الكواليس الإفريقية.
الجزائر تقود… وتونس تتبع!
لم يكن الضغط الجزائري على تونس مجرد تحرك معزول، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز الهيمنة الجزائرية على أجهزة الكاف، مستغلة الفراغ الذي تركته تونس وغياب الرؤية الواضحة لإدارة هذا الملف الحساس.
اللافت أن هذا الخضوع التونسي لم يقتصر على الانسحاب من السباق، بل سبقه موقف أكثر إثارة للجدل: عدم تصويت الجامعة التونسية لفائدة فوزي لقجع في الانتخابات السابقة، وهو ما عزّز العزلة التونسية وفتح الباب أمام الجزائر لتوسيع نفوذها دون مقاومة تُذكر.
وفي حين أن المغرب اختار بناء تحالفات قوية واستغلال كل فرصة لتعزيز حضوره، بدت تونس وكأنها تنسحب طواعية من دائرة النفوذ، تاركة الساحة فارغة أمام منافسيها التقليديين.
من لاعب أساسي إلى متفرج صامت
في وقت كانت تونس تحظى فيه بمواقع حساسة داخل الكاف، باتت اليوم خارج مجلس القرار بالكامل، نتيجة سلسلة من الخيارات الخاطئة والتنازلات التي كشفت عن ضعف الموقف التونسي.
فمن كان يصدق أن تونس التي كانت تشغل منصب نائب رئيس الكاف خلال عهد عيسى حياتو وتتحكم في ملفات حيوية كملف الحكام، ستجد نفسها اليوم مقصاة تمامًا وبدون أي تمثيل رسمي في أعلى هرم الكرة الإفريقية؟
ما حدث ليس مجرد تراجع عادي، بل هو انهيار نفوذ صنعته تونس على مدى عقود، وخسرته في لحظة ضعف وخضوع.
الدرس القاسي: لا مكان للضعفاء في الكاف
الرسالة التي يحملها هذا الإقصاء واضحة: لا مكان للضعفاء في لعبة المصالح داخل الكاف.
وبينما تتحرك الجزائر والمغرب بخطى ثابتة لترسيخ مكانتهما، تواصل تونس الانكماش والانزواء، دون أي استراتيجية واضحة لاستعادة مكانتها.
إذا استمر هذا النهج، فإن تونس لن تفقد فقط تأثيرها في الكاف، بل قد تواجه تهميشًا أكبر في جميع المؤسسات الرياضية القارية والدولية، ما لم تعِ دروس الماضي وتعمل على إعادة بناء تحالفاتها واستعادة ثقة شركائها في المنطقة.