أثار تعليق خريطة جديدة للعالم داخل قاعة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الفرنسي، تُظهر الصحراء ضمن حدود المغرب، موجة من الجدل الحاد بين النواب، في مؤشر جديد على التحولات التي يشهدها الموقف الفرنسي تجاه هذا الملف الإقليمي.
فقد فجّر النائب الشيوعي جان-بول لوكوك، المعروف بمواقفه الداعمة لجبهة “البوليساريو”، سجالًا داخل اللجنة، معتبرًا أن الخريطة تعكس “انحيازًا رسميًا” للمملكة المغربية، وهو ما يتجاوز، برأيه، الممارسات السابقة التي كانت تلتزم بموقف محايد يتماشى مع خرائط الأمم المتحدة.
موقف رسمي لا رجعة فيه
لكن المتابعين للشأن الدبلوماسي يرون أن الجدل الذي أثاره لوكوك يعكس حالة من التباين داخل الأوساط السياسية الفرنسية، لا سيما بعد أن حسمت باريس موقفها خلال صيف 2024، حين أعلنت رسميًا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، في خطوة اعتُبرت تحولًا استراتيجيًا في علاقاتها مع الرباط.
وجاء الاعتراف الفرنسي بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب، حيث شدد على دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط كحل نهائي للنزاع، مؤكدًا أن فرنسا ستدافع عنه داخل المحافل الدولية، بما فيها مجلس الأمن.
وبناءً على هذا التوجه الجديد، بدأت باريس في تعديل وثائقها الرسمية، بما في ذلك الخرائط المعتمدة داخل المؤسسات السيادية، وهو ما يُفسّر اعتماد الجمعية الوطنية للخريطة الجديدة التي أثارت غضب بعض النواب المحسوبين على تيارات يسارية تقليدية، فقدت الكثير من نفوذها في المشهد السياسي الفرنسي.
الرباط تراقب.. والوضع تجاوز الجدل
مصادر دبلوماسية، أكدت أن الرباط تتابع عن كثب تفاصيل التحولات الفرنسية، لكنها لا تعتبر الجدل الدائر داخل البرلمان ذا تأثير يُذكر على الموقف الرسمي، الذي تجاوز مرحلة التردد إلى التنفيذ العملي.
ووفقًا للمصدر ذاته، فإن “المغرب لا يعتبر هذه الخرائط مجرد تفاصيل شكلية، بل مؤشرات رمزية تُترجم مدى التزام أي دولة بموقفها السياسي”، مضيفًا أن “فرنسا اليوم لم تعد تُراوغ في مواقفها كما كان الحال في السابق، بل اختارت التموضع بوضوح إلى جانب الموقف المغربي”.
وفي ظل هذه المتغيرات، يرى مراقبون أن الاعتراف الفرنسي ينضم إلى سلسلة من المواقف الأوروبية المتزايدة، وعلى رأسها مواقف إسبانيا وألمانيا وهولندا، إضافة إلى الاعتراف الأمريكي، في وقت تزداد فيه عزلة الطرح الانفصالي على الصعيد الدولي.
معركة سياسية داخل باريس
وبينما يبدو أن القرار الفرنسي حُسم على مستوى الرئاسة والجهاز التنفيذي، لا يزال بعض النواب المناهضين للمغرب يحاولون مقاومة هذا التحول من خلال إثارة الجدل داخل البرلمان، لكن دون أي تأثير فعلي على التوجه الرسمي.
ففي النهاية، تظل السياسة الخارجية لفرنسا من صلاحيات الرئيس، وفقًا للدستور الفرنسي، ما يعني أن موقف البرلمان لا يتجاوز كونه نقاشًا سياسيًا داخليًا لا يغيّر شيئًا من الوقائع على الأرض.
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن المغرب وفرنسا بصدد تدشين مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية، قائمة على وضوح الرؤية، بعيدًا عن المناورات الدبلوماسية التي كانت تطبع مواقف باريس في الماضي.