جمال الدين الناجي: مفكر مغربي يُعيد صياغة العلاقة بين القانون وأخلاقيات حرية التعبير في العصر الرقمي
يُعد الأستاذ جمال الدين الناجي واحدًا من أبرز الأسماء في مجال الإعلام والاتصال بالمغرب والعالم الفرانكوفوني، ليس فقط من حيث المناصب التي تقلدها، ولكن أيضًا من خلال إسهاماته الفكرية العميقة في موضوعات حرية التعبير، وأخلاقيات المهنة، وسلطة القانون في العصر الرقمي.
مسار مهني رفيع: من المسؤولية التنظيمية إلى القيادة الأكاديمية الدولية
شغل جمال الدين الناجي منصب المدير العام للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA) في المغرب من 2012 إلى 2018، حيث لعب دورًا حاسمًا في تطوير السياسة السمعية البصرية وضمان التعددية الإعلامية.
كما تولى رئاسة شبكة “أوربيكوم” الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية في مجال الاتصال من 2017 إلى 2024، ليُصبح بعدها رئيسًا فخريًا لها، عرفانًا بإسهاماته في الدفع بقضايا الإعلام والاتصال على الصعيدين الأكاديمي والسياسي.
حرية التعبير: التوتر بين القانون والأخلاق
في عرضه التحليلي الموسوم بـ”العلاقة الجدلية بين القانون وأخلاق حرية التعبير”، ينطلق الناجي من مرجعية فلسفية وإعلامية غنية، مستشهدًا بكتاب “الصحافة في الديمقراطية” لجيرالدين مولمان، ومقاربات من تجارب الدول الإسكندنافية والأنغلوساكسونية في القرن التاسع عشر.
يرى الناجي أن هناك تناقضًا أصيلًا بين القانون، الذي يهدف إلى ضبط الحريات وتنظيمها، وميثاق الأخلاق المهنية الذي يسعى إلى توسيع فضاء حرية التعبير لصالح الحقيقة والمصلحة العامة.
هذا التوتر لا يُمكن حله إلا عبر التوازن بين سلطة القانون واستقلالية أخلاقيات المهنة.
تناقضات أربعة جوهرية يضعها الناجي تحت المجهر:
1. التناقض الأول: القانون يُقيد الحرية أحيانًا باسم النظام العام، بينما ميثاق الأخلاق يسعى إلى حمايتها حتى في أصعب الظروف.
2. التناقض الثاني: بدون قانون، لا يمكن أن يوجد ميثاق أخلاق فاعل. القانون يضمن الإطار الذي يُمكن داخله صياغة وتفعيل القيم الأخلاقية للمهنة.
3. التناقض الثالث: عندما يكون القانون ديمقراطيًا وعادلًا، يُصبح ميثاق الأخلاق أداة فاعلة، لا مجرد وثيقة زينة. الصحفي يُصبح حينها فاعلًا حقيقيًا في بناء الديمقراطية.
4. التناقض الرابع: قوة الأخلاقيات الصحفية تتعزز كلما كان القضاء مستقلًا ومحترمًا. القضاء هو حليف حرية التعبير وليس خصمها، طالما ظل ملتزمًا بالاستقلال والعدالة.
حرية التعبير في العصر الرقمي: ثورة أخلاقية لازمة
يؤكد الناجي أن التحديات الجديدة المرتبطة بالفضاء الرقمي، من انتشار الأخبار الزائفة (Fake News) إلى التلاعب بالمعلومة، تفرض ضرورة إعادة التفكير جذريًا في منظومة الأخلاقيات الإعلامية.
لم تعد حرية التعبير حكرًا على الصحفي المحترف، بل أصبحت مسؤولية مشتركة بين كل فاعل رقمي، سواء كان ناشرًا أو متلقيًا.
الحل، بحسب الناجي، يكمن في ثلاثية مترابطة:
قانون ديمقراطي وقضاء مستقل.
مهنة صحفية مسؤولة ذات تكوين أخلاقي دائم.
مواطن رقمي متشبع بثقافة الديمقراطية والضبط الذاتي.
الأسئلة الكبرى التي يختم بها الناجي تحليله:
أين نحن من ورش صياغة قانون وأخلاقيات ملائمة للفضاء الرقمي؟
كيف نُربي المواطن على احترام القانون والديمقراطية التشاركية في ممارساته الإعلامية واليومية؟
ما هو الشكل الديمقراطي الذي نريده لنُؤسس عليه حرية التعبير في القرن الرقمي؟
في ختام تأمله، يُصر الناجي على أن الأخلاق ليست ترفًا تجميليًا، بل هي جوهر كل ممارسة ديمقراطية صادقة. وحرية التعبير، كأم الحريات، لا تُصان إلا في مجتمع يقدّر القانون كما يقدّر الصدق والمسؤولية.