ادريس عدار
الخبراء المخطئون هم من صدرت عنهم توقعات أتبت الزمن عكسها. والزمن يعتبر إحدى أدوات الاستدلال. لما يصل الجدل إلى تخوم عدم الإقرار تقول لصاحبك: بيني وبينك الزمن. لكن لم يتعمدوا الخطأ ولا سعوا إليه لإقناع أحد. أصلا ليس من مصلحتهم الخطأ ماداموا يشتغلون لحساب مؤسسات الخطأ بالنسبة إليها بالكارثة “الفالطة بالكبوط” كما يقول المغاربة.
أما الخبراء المزيفون فهم الذين ينتسبون إلى فئة عريضة من المتحدثين في القنوات الإعلامية والإداعات والصحف والمواقع الرقمية وحتى السوشال ميديا، والهدف من وجودهم هو ملء البياض. يتم استدعاؤهم لمجرد سد “ثقوب” الزمن، التي تحدث أثناء البث. وهم خبراء مصنوعون من الوهم، ولكن يعانون من مرص الميثومانيا.
خبراء مزيفون مولعون بالكذب ومهووسون باختلاق المعلومة، لكن مع الوقت هم أنفسهم أصبحوا يؤمنون بالزيف ويعتبرونه حقيقة.
نقرأ في قصاصة إخبارية: يواجه خبراء الاقتصاد انتقادات بعدما أخطأت تقديراتهم المرتبطة بالتضخم وفشلوا في توقع الاضطرابات التي شهدتها سلاسل الإمداد بينما توقعوا ركودا لم يتجسد. وجد الخبراء صعوبة في التنبؤ بتطورات الأوضاع الاقتصادية في ظل وباء كوفيد والغزو الروسي لأوكرانيا ومؤخرا، النزاع في الشرق الأوسط. وضمت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد صوتها إلى الأصوات المنتقدة لخبراء الاقتصاد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي. وأقرت لاغارد بأن التوقعات التي استندت إليها قرارات البنك المركزي الأوروبي لم تكن صحيحة على الدوام ولم تأخذ نماذجها العوامل المرتبطة بالأزمات في الاعتبار.
قد يكون النقد هنا مبنيا على رؤية دقيقة حول خطأ الخبراء أو النقد نفسه مزيف. لكن على الأقل هؤلاء الخبراء لديهم من يراقبهم ويبين خطأهم.
بغض النظر عن طبيعة الخبرة التي يقدمون فهناك اعتراف بخطأ الخبرة.
الخبراء المزيفون ليس لديهم من يراقبهم. لا. بل هناك من يشجعهم على طغيانهم. وهذه القصةى موجودة في كل بلاد الدنيا. في هذه الجغرافية أصبحت صناعة خطيرة لها من يمولها ويدير أمرها كشركة من شركات المناولة. خبراء في الرياضة والاجتماع والسياسة وأكل البطاطس. خبراء لم يحاسبهم أحد لأنهم توقعوا فوز المغرب بكأس إفريقيا للأمم. خبراء توقعوا مضيق جبل طارق وحددوا من سيتكلف بذلك وتاريخه والهدف منه بناء على معلومات دقيقة لديهم. المعلومات الدقيقة التي لم يحاسبهم عليها أحد: مجرد خبر مبتور في موقع إحدى القنوات. لم يتحدثوا بصيغة لو حدث ولكن شرعوا في التوقعات والتفسير والتأويل. التأويل دون أية معلومة. الزمن كوسيلة للاستدلال يقول إن توقعاتهم كاذبة.
خبراء في الحرب والسلاح ونوع السلاح. قرأت مقالا عن نوع المقذوفات التي أطلقها المرتزقة على مدينة السمارة يتحدث صاحبه عن طبيعة السلاح والمعمل الذي صُنع فيه. القوات المسلحة الملكية لم تقل شيئا عن الموضوع. خبراء في الساحل والصحراء. دون معلومات طبعا. ينتقلون للحديث عن أزمة الغذاء. يعودون لأوكرانيا. يتحولون إلى فلسطين.
المهم لن يكون هناك بياض.