انطلقت الحملة الانتخابية لمجلس المستشارين، وهي عملية مختلفة تماما عن مجلس النواب، حيث يعتبر غرفة الكبار، والذي يثير الانتباه هو أن مجلس المستشارين، الذي يعتبر ذا طابع اجتماعي وجاء من أجل وضع الفرامل في حالة كانت الغرفة الأولى تسير بسرعة قد تتسبب في حوادث، المثير أن ثلثي المجلس تقريبا تأتي من الجماعات الترابية وما يحيط بها، بما يعني أن التحالف الثلاثي أو الترويكة أو “تجمع المصالح الكبرى” قد يؤثر بشكل كبير على تركيبة المجلس.
من حق أي حزب سياسي أن يعقد التحالفات التي يريد، ومن حق التحالف الحكومي أن يستمر في نهج طريق تقاسم المقاعد والمسؤوليات، لكن يقول المغاربة مثلا بليغا جدا “اللي كيحسب وحدو يشيط ليه”. يمكن عن طريق التحالف الثلاثي السيطرة أيضا على الغرفة الثانية، لكن إذا تم ذلك فانتظر ساعة السياسة في المغرب.
أراد المشرع من مجلس المستشارين أن يكون حارسا دقيقا على القوانين، من خلال القراءة الثانية، أو حتى من خلال الأسبقية فيما يتعلق بالقوانين الاجتماعية، لأنه مجلس يمثل كثيرا من القواعد الكبرى لما هو اجتماعي، فهو يمثل الجماعات الترابية والغرف المهنية والنقابات والباطرونا، وهذا التمثيل يجسد التوازن.
أراد المشرع من الغرفة الثانية ألا تكون غرفة “نعم” مثل الغرفة الأولى، وكما قلنا سابقا إن هناك وهما يسمى فصل السلط، لأن الأغلبية في الحكومة هي نفسها الأغلبية في مجلس النواب، وبالتالي تصبح الأغلبية مجرد قناة تمر منها القوانين قصد التصويت، ونادرا ما يتم قبول بعض التعديلات وفي الغالب تكون شكلية.
لهذا فإن فصل السلط يتجسد من خلال المعارضة القوية في مجلس النواب، ومن خلال التنوع داخل مجلس المستشارين، تنوع يراعي مصالح الفئات الاجتماعية دون تقاطبات سياسية ميكانيكية، وهو ما سيقع لو، لا قدر الله، تم أيضا سلوك طريق التحالف الثلاثي، بمعنى ستصبح الغرفة الثانية غير صالحة لشيء سوى ما هو شكلي دستوريا، حيث ستأتي القوانين مصادقا عليها من الغرفة الأولى وتمر من الغرفة الثانية فتصادق عليها، دون قراءة ولا ملاحظات.
واختار المشرع للغرفة الثانية أن تكون وسيلة لتجويد القوانين من خلال القراءة التي تقوم بها، حيث تقف على الثغرات بعد أن يكون المشروع مر من قراءته بمجلس النواب، وتراعي الغرفة الثانية حتى التعديلات التي تدخلها الفرق على الصيغة الأولى للقانون أو مشروع القانون بالأحرى.
ليست كل الحقوق يتم تطبيقها دون التزامات أخلاقية، فإذا أرادت الأحزاب أن تحصل على هذا الحق، الذي هو حق التحالف الحزبي مع من تريد من الأحزاب، فإنها ستضع العملية السياسية والديمقراطية الانتخابية في موقف حرج بل ستضعها في ثلاجة الانتظار، بل ستدفع الكثير من السياسيين إلى المطالبة بحل هذا المجلس وإلغاء الغرفة الثانية عبر تعديل دستوري، فليست الديمقراطية هي ما يتحقق عن الديمقراطية الانتخابية فقط ولكن عبر تمثيل كافة الفئات الناخبة.