في خطوة جريئة ومزعجة في الآن ذاته، قرر الحزب الحاكم بفرنسا، برئاسة إيمانويل ماكرون، فتح مكتبين بالمغرب، واحد في مدينة أكادير والثاني في مدينة الداخلة، وهي الخطوة التي فاجأت خصوم وحدتنا الترابية، فإذا كانت فرنسا الدولة لم تتجرأ بعد على هذه الخطوة، فإن الحزب الحاكم بما يملك من قاعدة منخرطين بالداخل والخارج، عبّر عن التوجه الحقيقي لفرنسا تجاه المغرب، باعتباره الشريك الأساسي لفرنسا، ليس في الاقتصاد فقط ولكن حتى في العمليات الأمنية، إذ مكّنت المعلومات التي قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني للاستخبارات الفرنسية أخيرا من تجنيب هذا البلد المتوسطي عملا إرهابيا تخريبيا.
إذا كان افتتاح مكتب في أكادير شيء طبيعي وعادي بالنظر لوجود جالية فرنسية كبيرة هناك ووجود رجال أعمال، فإن مكتب الداخلة أكبر من ذلك بكثير، إنه دلالة على اعتراف الحزب الحاكم بمغربية الصحراء، وهو عنصر يضاف إلى إقرار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن مخطط الحكم الذاتي هو أرقى حل للمشكل وأن فرنسا تسانده. فالحزب الحاكم معترف بمغربية الصحراء، وفي انتظار نضج الظروف والشروط كي تحذو فرنسا حذو الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتراف بسيادة المغرب على كامل ترابه بما فيه الأقاليم الجنوبية.
مكتب الحزب الحاكم الفرنسي سيعطي دينامية جديدة للموقف الفرنسي من وحدة المغرب الترابية، خصوصا وأن النشاط السياسي للفرنسيين بالداخلة سيقوده في الغالب رجال أعمال لهم القدرة على استيعاب الفرص التي تمنحها المنطقة للاقتصاد الفرنسي المتضرر كثيرا، ليس فقط بفعل الجائحة، ولكن بفعل التحولات التي تعرفها القارة الإفريقية، التي كانت بمثابة “مطمورة” فرنسية تصنع دولة الرفاه لفرنسا.
النشاط الحزبي سيكون أكبر من النشاط الديبلوماسي، فبحكم تحرر الفاعل الحزبي من الالتزامات التي تقيد العمل الديبلوماسي، فإن وجود مكتب للحزب الحاكم بالداخلة ستكون له فاعلية كبرى، لأن الفاعل السياسي يتميز بالتحرر من القيود كافة، وبالتالي يمكن أن يستطلع الوضع بحرية كاملة ويقدم رأيا متكاملا عن الظروف والإمكانيات التي تتيحها الأقاليم الجنوبية للمغرب.
ستكون هذه الخطوة أرضية كبيرة للتمهيد للقنصلية الفرنسية بالداخلة، حيث ما زال التردد ناتج عن جهل بالواقع، والمعرفة به يمكن أن تتحقق من خلال فتح مكتب للحزب الحاكم، الذي سيكون بمثابة آلية للاطلاع على الواقع، والاستماع للتشكيلات السياسية والاستماع للفرنسيين المقيمين بالداخلة، والتواصل مع الفاعل السياسي والاقتصادي والمدني مما يتيح للفرنسيين المعرفة العميقة بما يجري ويدور، وهذه المعرفة ستكون هي الأرضية التي على أساسها ينطلق العمل الديبلوماسي الفرنسي بالداخلة، ومن تم الانتقال من اعتراف الحزب الحاكم الفرنسي بمغربية الصحراء إلى اعتراف الدولة الفرنسية.
اليوم نحن أمام اعتراف فرنسي بقدرات المغرب، التي جسدها على الميدان، وهي قدرات اقتصادية وكذلك قدرات أمنية، التي دفعت مسؤولا استخباراتيا أمريكيا إلى وصف عبد اللطيف حموشي بالرجل المحترف. إذن هي احترافية على أرض الواقع منحت المغرب اقتدارا يؤهله ليكون شريكا على مستويات عدة.